صلاح الحال بصلاح مجلس النواب
منذ ما بعد عام ١٩٨٩ وما أفرزه من مجلس نيابي ما زلنا نتغنى بأدائه المتميز،إلا أن ما تبعه من مجالس تدنى فيها مستوى الأداء وذلك بسبب ما جرى من تعديلات في قانون الإنتخاب،فصار مجلس عام ٨٩ حديث تندر، وعلامة فارقة يعتد بها.
وفي ظل نظرة الناس وتساؤلاتهم،وحكمهم على أداء المجالس النيابية المتعاقبة،وإذا بمدير أهم دائرة أمنية في البلاد يصرح بأن حصة تلك الدائرة من التشكيلة لمجلس النواب في حينه قد وصلت،وذكر رقما محددا.
وهل هذا يعني ان حال النواب صار مثله مثل من يعين بوظيفة في الدوائر الأخرى؟
وأحمد الله أنه أمد بعمري فعاصرت انتخابات نيابية، حصلت في الخمسينيات والنصف الأول من ستينيات القرن الماضي،وما أحلاها من أيام فقد كانت تتم بقانون انتخابي تتحقق فيه إرادة شعبية بإختيار أعضاء تناط إليهم تحمل مسؤولية هامة للوطن،عن طريق عملية إنتخابية بعيدة عن تدخل أي جهة كانت إلى حد كبير،وكان الإقبال عليها كبيرا،ولا دور لتلاعب المال السياسي فيها،تجري بأبسط الإجراءات بعيدة عن مظاهر البذخ والترف التي نشهدها هذه الأيام وما يصاحبها من مناسف وحلويات وغير ذلك.
لقد كانت تلك الإنتخابات تبرز النواب بصوت الناخب فنتائجها تتصف بالمصداقية بنسبة عالية.
ولذلك فقد كان المرشح يشعر بأهمية صوت الناخب، فيعرف أن تقرير مصيره في النجاح مرهون بصوت الناخب،ويعرف أن عودته للمجلس مرة ثانية وثالثة، تتوقف على أدائه ورضاء الناخبين عليه.
كان هم النائب سابقا هو أداء عمله إيمانا بالله أولا وبأداء واجبه والإخلاص فيه ونيل رضاء الناخبين أيضا، كما كان في وقتها احزاب ذات برامج فتقدم مرشحيها على هذا الأساس،وكنا نجد أيضا ان المرشح المستقل كانت لديه رؤية خاصة تنسجم مع متطلبات الوطن والمواطن.
ومن الجدير بالذكر أنه لم يكن النائب يتمتع بمكتسبات وإمتيازات خاصة،وأنما كان يتقاضى مكافآت مقابل تفرغه لهذا العمل،فلم يكن لديه سواقين ولا خدم ولا حشم وغيرها مما نشهده هذه الأيام،وكان أداؤهم وطنيا بإمتيا،يرصدون ويراقبون أداء الحكومات مما يجعلها تحسب لهم ألف حساب وحساب،ولم نسمع بمصطلح المديونية.
وقد تعطلت الحياة النيابية بعد حدوث نكسة ١٩٦٧،ثم عادت بدعوة مجلس النواب بعقد دورة أستثنائية ما بين (٩/١ إلى ١٦/١/١٩٨٤) وتم تعديل الفقرة(٥)من المادة (٧٣)من الدستور بحيث أصبح من حق الملك بناء على قرار من مجلس الوزراء دعوة مجلس النواب المنحل ودعوته للإنعقاد.
كما تم تعديل الفقرة السادسة بحيث أصبح من الممكن إجراء الإنتخابات في نصف الدوائر إن تعذر إجراؤها في كافة الدوائر (الضفة الغربية) على أن يقوم الفائزون بإختيار ممثلين عن الدوائر الأخرى.
وتنفيذا لهذه التعديلات فقد عاد مجلس النواب التاسع المنحل إلى الإنعقاد بتاريخ(١٦/١/١٩٨٤) وقد جرت انتخابات تكميلية ما بين (٩٨٤-٩٨٩) بديلا عن أعضاء فارقوا الحياة إلى الدار الأخرى.
وبعد فك الإرتباط الذي تم عام ١٩٨٨ ما بين الضفة الغربية والضفة الشرقية، تمت انتخابات كاملة في المملكة عام(١٩٨٩).
لم يرق لقوى الشد العكسي أن يروا مجلس نواب قوي يؤدي واجبه بإمتياز،وبدأوا بالعمل على إجراء عدة تعديلات على قانون الإنتخاب شوهت مخرجاته، مثل الصوت الواحد والكوتا والقائمة الوهمية وقائمة وطن والتي تجعل ابناء القائمة الواحدة يتنافسون فيما بينهم.
ومما شوه الأداء أيضا تشبيه عمل النائب بعمل الوزير،مما أغراه وجعل همه الأساس هو الحصول على إمتيازات ومكتسبات شخصية.
ومما لا شك فيه أننا شهدنا ونشهد أداء مجالس النواب ما بعد عام١٩٨٩ في تدن مستمر،كما صرنا نلمس عزوف الناخبين عن التوجه للصناديق لممارسة حقهم الدستوري،وذلك بسبب عدم قناعتهم بأداء المجالس النيابية المتعاقبة.
ومما تقدم فإنني وبرأيي المتواضع كمحصلة للتجارب التي مرت:
أرى أن يعاد النظر بقانون
الإنتخاب الحالي ويفضل العودة الى القانون السابق حيث كان يمنح الناخب بأن ينتخب عددا من المرشحين يساوي عدد المقاعد النيابية المخصصة لدائرته.
وأن تجري عليه بعض التعديلات التي توائم وقتنا الحاضر.
كما وإنني أرى أن العمل النيابي هو في أصله عمل تطوعي،يتقدم إليه كل من يشعر في قرارة نفسه أن لديه الوقت الكافي ليضحي به في سبيل خدمة الوطن، وبأنه كفؤ وقادر على إقناع الناخبين به ولديه الرغبة في خدمة الوطن والمواطن.
ومما يؤسف له ما نشاهده ونسمعه من بعض نواب المجلس الحالي على شاشة المملكة في برنامج جلسة علنية،حيث يطرحون قضية الرواتب والتقاعد لهم بحجة أن منهم من كان أكاديميا أو طبيبا أو صاحب تجارة..الخ، وقد تركها فلا بد أن يعوض عن ذلك.
وإن كان ترشحكم لخدمة الوطن فيجب عليكم وضع هذا الهدف عنوانكم الأساس، وإلا فهناك الكثير من أبناء الوطن الذين يقدمون خدمة الوطن على مصالحهم الخاصة وهم كثر .
وهكذا فإننا من خلال ما لمسناه وسمعناه ونسمعه على ألسنة بعض النواب نجد أن الدافع الرئيس لمن يريد تبوأ مقعد نيابي ما هو الا من أجل أهداف وغايات شخصية للتمتع بإمتيازات ومكتسبات على حساب الوطن والمواطن..
خلاصة القول فإنني أكاد أجزم بأنه لا يستقيم حالنا، ولا نتخلص من آلامنا ولا تتحقق أحلامنا إلا بوجود مجلس نواب يكون أداؤه متميزا،وهذا يتحقق ب:
وجود قانون انتخاب عصري وإزاحة التشوهات التي أضيفت إليه،فالكوتا اول من عمل بها كندي في أمريكا لمحاربة التمييز العنصري الذي كان سائدا فيها وما زال،بينما نحن في بلدنا تحكمنا شريعة سماوية لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
أن يكون المرشح لديه مؤهل علمي أقله شهادة البكالوريوس.
لا يجوز له أن يرشح نفسه أكثر من مرتين يحقق فيهما فوزا.
أن تتاح للناخب حرية الإنتخاب بدون تدخل أي طرف كان.
أن يسمح للناخب انتخاب عدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد النيابية المخصصة لدائرته.
وأهم من كل ذلك أن تجري عملية الإنتخاب بجو يسوده النزاهة،وعدم التدخل من أي جهة،ومحاربة استخدام المال السياسي،كي يتحقق لنا انتخاب مجلس نيابي يحقق آمال وطموحات شعب يود الرخاء والنمو والإستقرار للوطن والمواطن وأن لا تكون كتبة المواطن مثل كتبة جبر(من بطن أمه للقبر)
وحفظ الله الأردن قيادة وشعبا.