ومنذ ذلك الحين أُقِرَّ الحق في التعليم في عدد من المعاهدات الدولية مثل: اتفاقية اليونسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم (1960)، والعهد الدولي الخاص بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965).
ويأتي هذا التأكيد على هذا الحق لتأثير التعليم البالغ في إعمال حقوق الإنسان الأخرى، ولأهمية النتائج المترتبة عنه في التطور والنماء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ومن ثم انعكاسه على الدولة بكل مكوناتها ومؤسساتها، من هنا ومنذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 توالى صدور مؤكدات هذا الحق، ومن اهمها اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وكذلك اعتماد المؤتمر العام لليونسكو في 14 /12/ 1960 اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم.
وكانت هذه الاتفاقية – ولا تزال - أول وثيقة دولية ملزمة على مستوى القانون الدولي تهدف إلى تنمية مفهوم حق الجميع في التعليم بأبعاده كلها، وقد دخلت حيز النفاذ في 22 /5/ 1962 وعُدَّتْ من الركائز المحورية لحركة التعليم للجميع، كما أنها تعبّر عن المبدأين الأساسين المرسخين في الميثاق التأسيسي لليونسكو، والمتمثلين في عدم التمييز وتكافؤ الفرص في مجال التعليم.
وعلى المستوى الوطني الأردني فقد أكدت المادة السادسة من الدستور الأردني في فقرتها الثالثة أن «تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكاناتها، وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين».
وكرست أيضًا المادتان التاسعة عشرة والعشرون من الدستور حق المواطنين في التعليم؛ فقد جاء نص المادة التاسعة عشرة ليؤكد أنه «يحق للجماعات تأسيس مدارسها والقيام عليها لتعليم أفرادها على أن تراعي الأحكام العامة المنصوص عليها في القانون، وتخضع لرقابة الحكومة في برامجها وتوجيهها».
أما المادة العشرون فتنص على أن "التعليم الابتدائي إلزامي للأردنيين، وهو مجاني في مدارس الحكومة" بغض النظر عن شكله وطرائقه سواء أكان متمازجًا أم وجاهيًّا أم عن بعد (تقليديًّا أم إلكترونيًّا).
وفي أعقاب إعادة تنظيم بنية التعليم العام في الأردن في ضوء قرارات المؤتمر التربوي الأول (أيلول 1987) أصبح التعليم الأساسي تعليمًا إلزاميًّا ومجانيًّا في المدارس الحكومية وفقًا للمادة العاشرة من قانون التربية والتعليم رقم 3 لسنة 1994.
وأكد الميثاق الوطني الأردني أن: نظام التربية والتعليم الأردني نظام متكامل متطور، تعبر فلسفته عن فكر الأمة وقيمها، وتقوم على ثوابت العقيدة الإسلامية والمثل العليا للأمة العربية والتجربة الوطنية الأردنية.
وهذا يتطلب تنشئة الفرد المتكامل روحيًّا وجسميًّا ونفسيًّا وعقليًّا واجتماعيًّا، الواعي لحقوقه، الملتزم بواجباته، المتمتع بالروح العلمية والديمقراطية، المؤمن بحقوق الإنسان ومبادئ العدل والخير والمساواة.
وجاء به أيضا: أن نظام التعليم معني بتنمية التفكير المستقل المبدع، وذلك بتحريك دوافع العمل والجدية والإتقان والتميز، وتوجيه التعليم نحو إعداد الإنسان الأردني للمستقبل، بتنمية معرفته وتطوير قدراته العقلية والنفسية، لمواجهة تحديات المستقبل وأخطاره، وبناء منهجية التفكير العلمي والناقد، بتوجيه التعليم نحو مهارات استخراج المعرفة واستيعابها، ومحاكمتها محاكمة عقلانية.
وقد انعكست هذه المضامين بشكل عام على قانون التربية والتعليم وتعديلاته، وكل ما سبق يفسر ما تحظى به المسيرة التربوية والتعليمية الأردنية من دعم مباشر من قيادتها الهاشمية التي تقدم لها المبادرة تلو المبادرة، والمكرمة تلو الأخرى، وهذا يستدعي من أبناء الأسرة التربوية التفاني والإخلاص في العمل عرفانًا، وولاء صادقًا، لقيادتهم الهاشمية انسجامًا مع روح الرسالة التي يحملها التربويون.
لقد حملت وزارة التربية والتعليم على عاتقها مسؤولية تحقيق الأهداف التي تصب بمجملها في تطوير العملية التربوية والتعليمية منها؛ إعادة النظر بمسارات التعليم، والحوكمة "التشريعات التربوية"، والأبنية المدرسية، وتطوير امتحان الثانوية العامة، وطرائق انتقاء واختيار المعلمين والقيادات التربوية وتأهيلهم وتدريبهم وتحفيزهم وتحسين أوضاعهم، وتطوير طرائق ووسائل التعليم، وتطوير المناهج والكتب المدرسية بما ينسجم ومستجدات العصر والثورة التكنولوجية.
إنَّ وزارة التربية والتعليم بما تمتلكه من كفاءات بين كوادرها في المركز والميدان -ومن خلال الشركاء أيضًا- قادرة على تحمل أمانة المسؤولية، وتأدية رسالتها بضمير وأمانة وإخلاص لمواصلة عملية النهوض التي تشهدها مسيرة التعليم الآن، والأردن على أعتاب مئويته الثانية ما زال يقدم نماذج تحتذى في التميز والعطاء، وأثبتت جائحة كورونا قدرة وزارة التربية والتعليم على الحفاظ على حق الطلبة الدستوري والقانوي وتحقيق أهدافها في وصول التعليم إلى الطلبة بطرائق ووسائل متعددة عن قرب وعن بعد، وبشكل تقليدي وإلكتروني ومتمازج.
والآن، وبعد عام من انتشار جائحة كورونا، وتحوّل الوزارة إلى الممازجة بين التعليم الوجاهي مع استمرار التعليم عن بعد، وإدخال التكنولوجيا وتقنيات التعليم إلى النظام التربوي من أوسع أبوابه، وتطويرها لأدواتها بشكل دائم لتجويد المنتج المقدم إلى الطلبة والمعلمين والمجتمع، فانَّ الوزارة تدرك تمامًا أن المكان الطبيعي للطلبة لتلقي التعليم هو داخل الغرف الصفية في المدرسة ومع أقرانهم، وهي تولي أهمية كبيرة لضمان حماية الطلبة ومعلميهم في مدارسهم لضمان نجاح خطتها في عودة جميع الطلبة إلى مدارسهم، وتواصل استعداداتها لهذا الأمر بالتنسيق مع جميع الشركاء، غير أن هذه العودة ارتبطت في السابق بالوضع الوبائي في المملكة واستقراره، وعدم تطوره إلى مستويات قد تشكل خطورة على صحة الطلبة والهيئات التدريسية والإدارية، ولذلك وضعت الوزارة خطة العودة بشكل يكفل عدم حدوث أي نكسات يمكن أن تعطل قرار العودة إلى التعليم الوجاهي، وأبقت على المزاوجة بين التعليمين الوجاهي وعن بعد بتطوير أدوات المحتوى الإلكتروني للتعليم عن بُعد ومنهجياته ليكون داعمًا ومعزِّزًا دائمًا للتعليم المدرسي، ولكن الطفرات الجديدة والانتشار الواسع لها في العالم وانعكاسه محليًّا على الأردن، وعدم التزام البعض قد يفتح المجال مرة أخرى للتفكير في آليات جديدة لاستمرار التعليم من دون الإخلال بقاعدة صحة الطلبة والمعلمين والمجتمع.
إنَّ وزارة التربية والتعليم وهي تعود جزئيًّا إلى التعليم الوجاهي المتدرج لا تنكر مطلقًا وجود تحديات وعقبات في التعليم عن بعد، وهي تحديات وعقبات تواجهها كل دول العالم التي لجأت إلى هذا النوع من التعليم، والوزارة ستستمر في دراسة حيثيات عملية التعليم عن بعد بكل أبعاده، وستعدل وتصوب من سياساتها وإجراءاتها في ضوء ذلك أوّلًا بأول، وتتخذ كل ما تستطيع من إجراءات من أجل إيصال التعليم لكل الطلبة على مساحات الوطن بالتعليم عن قرب وعن بعد، وفي ذلك أيضًا فقد زادت خبرات وزارة التربية والتعليم في عملية التعليم عن بعد، وستثبت الأيام نضجها وكفاءتها في وقت قريب.
إن الدولة الأردنية بجميع مؤسساتها وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله، ومتابعته اليومية أدركت جيدًا حجم تأثيرات الانقطاع عن التعليم الوجاهي على الطلبة بالرغم من وجود برنامج التعليم عن بعد، فكان قرار وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي بالعودة المتدرجة إلى التعليم الوجاهي والمزاوجة بينه وبين التعليم عن بعد مع الأخذ بجميع إجراءات الوقاية والسلامة العامة ضمن بروتوكول صحي، ومصفوفة إجراءات وعدة سيناريوهات توازن بين مطلبي التعليم والصحة؛ لأن الغياب الطويل للطلبة عن المدارس له كلفته التربوية والاجتماعية والنفسية.
وكان الأهم في هذه العودة الالتزام التام بتطبيق البروتكول الصحي في المدارس ضمانًا لصحة الطلبة والمعلمين والعاملين.
إن وزارة التربية والتعليم والحكومة وكل مؤسسات الدولة تعلم أن الجائحة مستمرة، وهي مضطرة إلى مواجهة وباء كورونا الجامح بكل الوسائل والطرائق مع استمرارية الحياة بكل تفاصيلها استدراكًا لمشهد قد يكون أكثر قسوة فيما لو وقفت الحكومة من دون اتخاذ اللازم من إجراءات وقرارات، ومنها قرار العودة إلى المدارس، وهي عودة ستبقى رهينة لمدى التزام الجميع بإجراءات الوقاية والحماية الصارمة عن طريق الالتزام بالبروتكول الصحي المشدد.
لقد وفرت وزارة التربية والتعليم محتوى علميًّا عبر منصتها الإلكترونية إلى جانب البث التلفزيوني للمباحث الدراسية، وعلى المدارس والمعلمين بوجه خاص توجيه الطلبة إلى متابعة تفعيل جميع وسائل التعلم عن بعد مع التعليم بالمواجهة داخل الغرفة الصفية، والتكيف مع المرحلة الجديدة، فقد أصبح التعليم في عصر الثورة الرابعة أكثر مرونة وسهولة وفاعلية، وعلينا التكيف مع هذا الوضع العام العالمي والمحلي بالرغم من كل التحديات.
وأخيرًا، فإن المطلوب من الجميع أن يؤدي أدوارًا محوريةً في غرس الوعي الفردي والجماعي، واستـقاء المعلومات من المصادر الأمينة الموثوقة، ودعم مشاريع لتجاوز أزمة الوباء بكل الطرائق والمصادر ووسائل الوقاية ليستمر التعليم. والله من وراء القصد.