د. هزاع عبد العزيز المجالي *
نعلم جميعا أنه, منذ نشأة المملكة شهدت الحياة السياسية حالات من المد والجزر, ويعلم من عاصر التاريخ القديم أو كان قارئا له, حجم التحديات والمعاناة التي عاشها وشهدها الأردن من حروب ومؤامرات خارجية وداخلية, وتصرفات بعض القوى السياسية, بعيدا عن الشرعية, كانت سبباً لتعطيل الحياة الديمقراطية وفرض الأحكام العرفية بعد حرب حزيران عام1967, واحتلال الضفة الغربية, استمرت الى عام 1989 تاريخ عودة الحياة البرلمانية, وإقرار القوانين والأنظمة التي تنظم الحياة السياسية والحزبية.
نعترف أن المرحلة السابقة أفرزت حالة من الجفاء لدى المواطن الأردني في الانخراط بالعمل السياسي والحزبي, حيث لم يعد المواطن يؤمن بالأيدولوجيات الفكرية للأحزاب السياسية، بعد ما شاهده من حالات للتآمر الداخلي لبعض الأحزاب على البلد, وما أفرزته تجارب تلك الأحزاب في بعض الدول العربية وغيرها من انظمة ديكتاتورية (حكم الحزب الواحد), والانقلابات المستمرة، وانعدام للامن المجتمعي فيها، فشكلت تلك الاسباب مجتمعة بالموقف العام لدى المواطن الأردني ألا وهو العزوف عن المشاركة الحزبية والسياسية على الرغم من إقرار الدولة منذ عا? 1989 للعديد من القوانين والأنظمة التي سهلت على المواطن الإنخراط في العمل السياسي.
نعم هناك موروث تاريخي, كان سببا جوهريا في عدم رغبة الناس للمشاركة بالعمل السياسي, ولكن بالمقابل هناك إجماع لدى المثقفين والحزبيين والناشطين وحتى عند عامة الناس أن هناك بطأ (وتلكك) في التعامل مع ملف الإصلاح السياسي بصفة عامة وقانون الانتخاب بصفة خاصة. فلماذا تقوم الحكومات المتعاقبة وفي كل مرة بعد انتهاء الانتخابات النيابية لمجلس النواب, وبعد جدل ونقد شعبي شديد بالدعوة لحوار حول قانون انتخاب جديد, وهي تعلم مسبقا أن القانون المعمول به تعرض لنفس النقد وكان سببا لعزوف الأردنيين عن المشاركة السياسية في الإنتخابا? النيابية, لتعود الى سابق عهدها باقرار قانون لا يلبي طموحات الأردنيين.
لقد كنت من أشد المعارضين لقانون الانتخاب الحالي, الذي أجزم أن هناك شبه إجماع من الشارع, بأنه فعلياً لا يلبي الحد الأدنى لطموحات الأردنيين. ورغم ذلك بذلت الحكومة جهودا كبيرة في إقناع الناس للمشاركة في الانتخاب، فإذا كان هناك من يدعي عدم وجود إرادة سياسية, فلقد تحدث جلالة الملك وبصراحة, وفي أكثر من مناسبة وفي (أوراقه النقاشية عام2016) عن تطوير منظومة القوانين الناظمة للحياة السياسية, وآخرها حديث جلالته قبل أيام أيضا في لقائه الصحفي مع وكالة بترا, وفي مجلس الوزراء عن ضرورة تطوير منظومة القوانين. فلماذا التعطي?؟ يقول الشاعر اللبناني الكبير جبران خليل جبران: «الحق يحتاج إلى رجلين رجل ينطق به ورجل يفهمه» فهل الموضوع يحتاج بعد ما قاله جلالة الملك إلى مزيد من الفهم؟ فالإرادة السياسية لجلالة الملك حفظه الله صريحة وواضحة, فالمطلوب توفير المناخ المناسب فما على الحكومة سوى فتح باب الحوار مع جميع الأطياف السياسية, من مؤسسات مجتمع المدني بما فيها الأحزاب السياسية وقوى طنية دون استثناء, على أن تحسن اختيار الأشخاص الذين يقومون بذلك، ويكون ذلك ضمن ضوابط وثوابت أساسها المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار. الرأي
* مستشار وأستاذ القانون الدولي العام