مدار الساعة - كتب: خالد القضاة
إن توقف عدد الراغبين بتلقي مطعوم كورونا عند نحو 200 ألف مواطن، يدعو للقلق وفيه مؤشرات في غاية الحساسية والخطورة، ويجب دراستها للوقوف على دلالاتها، ففيها استفتاء حقيقي للرأي العام السائد نحو الجهود الحكومية في مواجهة الوباء.
فبالرغم أن الوباء قد فتك بنا وغيّب قصرا أُناس نحبهم، ووضع الاقتصاد ومؤسساته بخطر حقيقي، وزاد من العجز والدين العام ورفع نسب البطالة، وزعزع بعنف المنظومة التعليمية بمدارسنا وجامعاتنا، ناهيك عما طال قطاع الصحي، إلا أن المواطنون لا يقبلون على اخذ المطعوم الذي فيه النجاة مما نحن فيه، لنلتقط انفاسنا ونوقف النزف الشديد ونعيد بناء ما دمره الوباء بمختلف القطاعات.
ويبدو من القراءة الأولى لهذه المؤشرات أن الحكومة عجزت عن الترويج لمشاريعها وخططها في مواجهة هذا الوباء، فاستبدلت بناء الوعي بالتهديد وتوعد المخالفين للالتزامات الصحية متناسية ما جرى على معبر جابر الحدودي والذي تسبب بتفشي الوباء مجتمعيا، ولم تعلن حتى اللحظة نتائج التحقيقات للمخالفات الجسيمة التي حدثت على المعبر.
فالحكومة الحالية (والسابقة والتي سبقتها والقادمة) ما زالت تتعامل بذات العقلية في التسويق لمشاريعها من خلال الضغط على وسائل الإعلام لتبني روايتها والدفاع عنها، فاستخدمت أسلوب "المياومة" لإدارة كل ملف، وكل مؤسسة على حدا، أو حتى لكل صحفي، فعينت لها إدارات تديرها بـ "القطعة"، فعبثت بمقدراتها ونالت من دورهل الوطني وكأنها مزرعة للترضية والتنفيع ومحطة للتلميع، وأرسلت كل صحفي يخرج من بيت طاعة روايتها إلى التوقيف، فتقزم دور الإعلام ليس فقط على قياس الحكومة بل ليتناسب مع "موظف" يتولى منصب رئيس وزراء.
الدولة الناضجة التي يقودها "رجال دولة"، لا تخشى من الإعلام الحر، ولا تهاب المؤسسات الإعلامية المستقلة، ولا يرعبها صحفي مهني ملتزم، فالصحافة جزء من منظومة البناء الوطني، تنتقد اعوجاج الحكومات وتقومها، وتمنع مراهقة موظفيها الوزراء، وحتى تحول دون وصولهم لتلك المواقع القيادية.
فالترويج لأخذ مطعوم كورونا فشل جديد لتسويق المشاريع الحكومية، فلو كان هنالك إدارة حصيفة لملف كورونا من البداية وأعطيت فيه وسائل الإعلام كامل حريتها في المعالجة الصحفية لكان دورها اليوم ليس حث المواطنين على اخذ المطعوم بل حثهم على إعطاء الأولوية لمستحقيه نظرا لشدة الإقبال على التسجيل.
غرقنا في الشائعات وقادت شبكات الواصل الاجتماعي المشهد، وكان الأولى بالحكومات بدلا من أن تُجند كل اذرعها الإعلامية للرد على "سطر ونص" على الفيس بوك، أن تدعم المؤسسات الإعلامية وتجعل منها جاذبة للكفاءات لا طاردة لها، وتتوقف عن مطاردة الصحفيين في أمنهم الوظيفي، فالمؤسسات الإعلامية لا تحتاج لقوات أمنية على أبوابها، بل تحتاج الى رجل دولة يزن دورها السياسي ولا يتطلع لكُلفها أو صافي إرباحها.
إذا أقلقتكم كلفة المعرفة والرأي فتذكروا كلفة الجهل والشائعات.