يبدو أنه من السهل تضليل الرأي العام وقيادته الى منتجع السخط والكراهية وشهوة الانتقام اللفظي على الأقل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو بعض الأخبار غير الموثوقة والشائعات، وبالطبع نتحمل نحن جزءا من المسؤولية عن ذلك باعتبارنا نجوما لم تعد مضيئة في ظل وصول عدد مستخدمي وسائل التواصل الإلكتروني والدردشات إلى الملايين من المواطنين، وما عنيته بالمسؤولية أننا ننسى أحيانا الفرق ما بين خبرتنا الطويلة في الكتابة الصحفية والمخزون الكبير من المعلومات مما يمكن نشره أو لا يمكن، وما بين بساطة الجمهور الذي يمر على المعلومة دون تحليل ولاسابق خبرة، فيصدق أي خبر لو كان مزاحا ويعيد دحرجة الكذبة.
آخر القصص غير الصحيحة اقترفتها شخصيا، فقد نشرت عبر صفحتي الخاصة صورة تجمعني بالزميل موفق الخطيب مراسل محطة «إن بي سي» الأميركية متكئين على سيارة رولزرويس في أحد معارض السيارات الكبرى، وأدعيت تهكما وبسخرية أنني سأشتريها وأبدلها بسيارتي القديمة التي لا أملكها، ومختصر القصة أننا ترافقنا لنحل مشكلة تأخير تسليم سيارة الزميل لأكثر من شهرين رغم دفعه ثمنها لأصحاب المعرض، ولكن يبدو بالمصادفة أن هناك خبرا قريبا مما جرى.
حتى يوم أمس باتت التعليقات تصلني من متابعين فهموا أنني أسخر من الواقع، ولكن الأغلبية عبر مواقع ووسائل تواصل قد أمطروا الخبر بسيل من المعوذات والاستهجان، حتى أن أحدهم علق بالقول «خلص يا عم هذا ثمن الثقة» وهو يقصد ثقة مجلس النواب للحكومة، وآخر يندب حظه، كيف انني اتمختر بالرولز وهناك من لا يجد ثمن طعام أولاده، وغيرهم قال هذا مال حرام، ولكن رغم بساطة أولئك الناس ممن ينفسون عن غضبهم بكتابة جملة واحدة فإن الحق معهم حتى لو كانت القضية سخرية أو كذبا، لأن الرأي العام لم يعد يثق بالرواية الأصلية الحقيقية وذلك بسبب إخفائها أو عدم الاهتمام برأي الناس.
اليوم نحن نواجه جميعا مصيرا مجهولا، فلا أحد يستطيع التنبؤ بما سيحدث بعد شهر، ولكن عندما نترك الجمهور يخوض في بحر من الكلمات المتقاطعة والأخبار المدسوسة والضخ السلبي ومطاردة من يكتب عن قضية واقعة ومنع نشر أي خبر صحيح فإن النتيجة أننا نخلق رأيا عاما رافضا لكل شيء ونصنع أعداءً مفترضين ومملوئين بالكراهية تجادل الرواية الرسمية ومصدر الخبر الصحيح، ولهذا بات الرأي العام اليوم يتجاهل الحقائق، بل لا يريد أن يسمع الحقيقة ويفضل عليها أي رواية كاذبة تفعل بعواطفه كما تفعل العقاقير المهلوسة.
في الأخبار أن هناك صحفا ورقية قادمة على الطريق القريب، ونحن نبارك لها لتكون داعمة لإثراء المشهد الإعلامي الرصين والموثوق والرواية الصادقة والتحليل العميق، ولكن الحكومات المتعاقبة لم تعد تهتم بهذه الصحف التي تمر بأسوأ مرحلة شهدتها الصحافة الورقية منذ أواسط الثمانينات، بل إن عميدة الصحافة الأردنية جريدة (الرأي) التي لا تنشر الخبر ورقيا أو عبر الموقع الإلكتروني إلا بعد تدقيق وتصحيح وبعيدا عن الإثارة والعناوين التي لا علاقة لها بالخبر، لا زالت تراوح مكانها بانتظار حل مشكلة آلاف الأفواه من عائلات المؤسسة التي تصدر الصحيفتين الرصينتين (الرأي) و(الجوردن تايمز) بالإنجليزية.
الصحافة الورقية لا تزال تنشط في العالم، وهي تتكىء على إدارات مؤسسية لا علاقة لها بتفرد شخص واحد يقود الرأي العام عبر منشور أو بث الكتروني ليجتزىء الحقيقة أو يقلبها، وتبقى الصحيفة إرثا ثقافيا وتعليميا وتوجيهيا للأجيال، ومنها من تعبر عن وجهة نظر الدولة،والأيام حبلى بالمفاجآت السياسية التي تحتاج الى وعيّ وإدارة إعلام دولة لا إعلام فيسبوك.
Royal430@hotmail.com
الرأي