ما حدث داخل احد “ المراكز “ الامنية وتسبب بوفاة شاب صغير آلمنا وصدمنا ايضا، لكن ما جرى بعد ذلك من قبل مديرية الامن العام طمأننا واعاد الينا الثقة بقدرة مؤسساتنا على تجاوز الخطأ ومعالجتة ايضا .
القصة، كما اعلن عنها امس الاول المنسق العام للحقوق الانسان في رئاسة الوزراء، تتلخص في توقيف ثمانية ضباط وضباط صفّ تمهيدا لمحاكمتهم بتهمة “تعذيب” احد المواطنيين اثناء توقيفه في مركز امن بادية الجيزة، القرار بالطبع، جاء بعد تشكيل هيئة للتحقيق حيث اوعز مدير الامن العام بايقاف كل من له علاقة بالمسألة .
لا شك بان ما تعرض له الشاب مهما كانت تهمته، يتعارض مع ابجديات حقوق الانسان، ومع القوانين الاردنية التي تمنع كافة اشكال التعذيب، كما انه يجرح سمعة الامن العام الذي يحرص دائما على الالتزام بالقانون واحترام حقوق المواطن وترسيخ الثقة والتعاون معه، لكن حين ندقق في “ الحادثة “ بعيون مفتوحة، وبمنطق موضوعي، سنجد ان ما حدث يمكن ان يحدث في بلد في العالم، فقد يتجاوز بعض الافراد القوانين والانظمة والتعليمات في لحظة ما، لكن المشكلة ان يتم “ التغطية “ على ذلك وانكاره، ثم ان تتحول مثل هذه الممارسات الى سلوك عام مقبول دون ان يلقي الاشخاص المتورطون ما يستحقونه من مساءلة وعقاب .
في بلدنا، تتكرر احيانا مثل هذه الاخطاء، لكنها تبقى في اطار “ فردي “، واذا كان بعضها لا يصل الى وسائل الاعلام، فان “ سجلات “ الامن العام ترصدها وتتابعها حيث يوجد عشرات القضايا امام محكمة الشرطة ضد كوادر امنية تجاوزوا القانون في تعاملهم مع مواطنين، وبالتالي فان مثل هذه الاخطاء التي تشكل استثناءات على القاعدة التي الفناها لا يجوز ان تعمم او ان تكون ذريعة للاساءة الى جهازنا الامني والعاملين فيه .
الحكم بمنطق الانصاف، لا التعسف، يجب ان ينصبّ على المؤسسة لا على من يخطئ من المنتسبين اليها، هؤلاء بشر مثلنا يمكن ان يخطئوا، ويمكن ان ينفعلوا وان يسيئوا استعمال سلطتهم، لكن تبقى المؤسسة هي الفيصل عند الحكم ، فهي تخطئ حين تتستر على اخطاء العاملين او تقصر في تدريبهم وتاهيلهم او تغض النظر عن مخالفتهم، وهذا مالم تفعله مؤسساتنا الامنية، الامر الذي يجعل اية اساءة اليها مرفوضة، وحسبنا ان نتذكر فقط الاف من رجال الشرطة الذين يقومون بواجبهم على افضل ما يكون، منهم من ضحى بنفسه دفاعا عن امننا او تعرض لاعتداء من قبل المواطنين، ومنهم من يسهر الليالي لننام مطمئنين، ومنهم من بقدم لنا افضل الخدمات بروح من الايثار والاحترام، هؤلاء الاغلبية يعكسون الصورة الحقيقية لمؤسسة الامن العام، كما عكسها تماما مدير الامن حين قرر على الفور الاحتكام لموازين العدالة لمحاكمة الخاطئين، وهي خطوة نرجو ان تؤسس ارضية صلبة لاحترام حقوق الانسان في كافة مؤسساتنا ولدى كل المسؤولين في بلدنا .
هذا ليس دفاعا عن “ عصا “ الشرطي التي ندعو – دائما – ان تبقى في اطار القانون، ولا تهوينا من بعض الاخطاء التي يرتكبها الافراد وخاصة في المراكز الامنية والسجون، وانما جزء من واجب اشعر انه يحتاج لنوع من الشجاعة الادبية في لحظة تختلط فيها بعض الاوراق بهدف الاساءة لمؤسساتنا الامنية وتجريح قيمها، والانتقاص من دورها، في الوقت الذي نحتاج فيه الحفاظ على هيبتها وقوتها ورفع معنويات ابنائها، ومساعدتها على تجاوز ما يواجهها من مشكلات او تجاوزات .