مدار الساعة - بقلم: د. ابراهيم سليمان العجلوني
كنا صغاراً عايشنا وسمعنا ممن هم اكبر منا سناً كانت الفلوس عزيزة (غير متوفرة بكثرة) عند البشر وقيمتها عالية مقارنة بالاموال الغير منقولة الذهب مثلا في الثمانينات كان الغرام ٣ سعره دنانير والاراضي رخيصة بمئات الدنانير وليس الالوف تشتري قطعة ارض لبناء بيت او سيارة اكثر من مقبولة
كانت فئة العشرة دنانير كبيرة مقارنة مع نفس الفئة الحالية ليس فقط في حجمها بل في قيمتها الشرائية وتسمى الملحفة ( كلمة عامية والتي يتغطى بها النائم شتاءاً تشعره بالدفء ) وايضا، فالعشرة دنانير كانت ثروة تسعد اسرة وقد تكون مهر عروس وكُنت تجد صعوبة في ان تصرفها لوحدات نقدية اقل.
نعم كان هناك اغنياء ويملكون المال ولكنهم كانوا بشر وكانوا مثل الاخرين وان اختلفوا في امور بسيطة مثل الملابس والبيت الكبير ولكن يدرسون مع الاخرين في نفس المدارس ويشاركون الجميع اجتماعياً وحياتهم اليومية متشابهة، فالكبير كبير بمحبة الاخرين، حيث كان للاغنياء دور في الحماية المجتمعية والاجتماعية.
تضخم كل شيء ولم تعد العشرة دنانير تجلب الدفء واصبحت صغيرة في مفعولها وحتى الصغار لم تعد تغريهم مع ان صعوبة الحصول عليها ( نتكلم عن الفقراء هنا) صعبة وعزيزة وبالمقابل اخرين لديهم الكثير من الاموال ملايين ومئات الملايين بعد ان عاصرنا زمن كانت الاحلام تتوقف عند الالف دينار، وهؤلاء كانوا مثل غيرهم يعيشون يوم بيوم، ما الذي تغير وجرى؟
هل من ملكوا الملايين هم اذكياء وعباقرة ومميزون في افكارهم وهل الاخرين ( الغالبية العظمى من الشعب الاردني) اغبياء كسولين ولم يعملوا بجد مع ان اغلب الشعب الاردني هم موظفين اما في القطاع العام الحكومي او القطاع الخاص المتواضع في الاردن او يملكون استثمارات صغيرة مردودها اقل من الراتب الشهري او يعملون في مهن يومية، هذا هو السؤال الذي يجب ان تجيب عليه الحكومات المتعاقبة ومنذ خمسون عاما هل التضخم الذي حصل في الاردن في العقارات والثروات هل هو حق طبيعي واذا كان كذلك لماذا لم يستفيد منه الجميع وانحصرت في فئة او فئات وهل تدوير المال والثروات وان كان في مرحلة او سلسة معينة متاح للجميع لماذا بالنهاية انتقل لفئة واحدة فقط ومثال ذلك عندما فرح ملاكو الاراضي بالارتفاع باسعار الاراضي ان كان هذا في الثمانينات من القرن الماضي او في بداية هذا القرن واين ذهبت هذه الاموال واختفت من خلال سلاسل اقتصادية لتعود لفئة معينة .
بسهولة ترى دموع الفقراء وقهرهم لعدم حمايتهم بمسؤولية وطنية حكومية حتى الامل بدا بالتلاشي فهم مواطنون يحتاجون فرص عمل ليعملوا وحماية اجتماعية وتعليمية وصحية ويحتاجون بيوت مناسبة ليسكنوا بها فهذه الامور الطبيعية والتي تعتبر حقوق في كل الدنيا وحق من حقوق البشرية الاساسية مع القدرة على شراء سلة غذائية اساسية اصبحت حلم من احلام الدنيا للفقراء والفقراء في بلدي كثر للاسف وليس الخوف هنا حسب الوضع الحالي انما هو المستقبل القريب عندما يخرج من كل عائلة ثلاثة او اربع عائلات مستورة او ما سميت سابقا الطبقة الوسطى ليدخلوا الطبقة المعدومة ويزداد الفقراء او المعدومين.
لابد من حلول تبدأ بوضع خط ونقطة والبداية من جديد من خلال مراجعة شاملة حقيقة وشفافة لما جرى ومراجعة التدفقات المالية التجارية والشخصية لكثر وهذا سهل في هذه الايام باستخدام فكر البيانات الكبرى وثم حساب الامكانات الوطنية ووضع خطط حقيقة لعشر سنوات قادمة لمعالجة الخطأ وبناء بنية تحتية وطنية بمفهوم المظلة الاجتماعية بفكر الريع والانتاج والرفاه الحقيقي وتكييف التجارب العالمية الحقيقة والناجحة منذ خمسينيات القرن الماضي بما يتناسب والحالة الاردنية وقد يكون هذا المفهوم او التصور كانه الحلم ولكنه يمكن تحقيقه ولكن ليس بالسهولة فهو يحتاج لاعادة ثقة خاصة ان الحكومة السابقة أشبعتنا بنفس الكلمات الريع والانتاج والرفاه ولكن لم تنجز شيء وهنا البداية في كل شعوب الدنيا المصالحة الوطنية وبناء الثقة بين الدولة والمواطن الانسان الذي هو اعلى ما نملك وهو اساس ومحور تنمية وتطور الوطن، من خلال اختيار القوي والمتمكن علميا وعمليا وحسه وهمه وطني، وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب مع حرية الحركة لينجز.
اعيدوا للعشرة دنانير قيمتها رفقا بالفقراء والمحتاجين ورفقا بالاقتصاد فعندما تكون لهذه الفئة قيمة يشجع كثر العمل في مهن بسيطة مردودها اليومي مناسب وقابل لحياة كفيفة للمواطن البسيط وايضا تكن هناك قيمة للفتات من المساعدات الحكومية من صندوق معونة وغيرها لا نحسد الاغنياء وهم وحياتهم احرار ومع خصوصية حياتهم وصرفهم ان كانت من كد جبينهم وحلال ولكن هناك اناس بسيطين يتحسرون في هذه الايام مع الازدحام والتهافت لشراء مستلزمات الحياة للحظر الذي حرمهم من فرصة العمل ذو المردود اليومي وليس لديهم ما يشترون به وان وحد فهو كالعشرة دنانير صعب الحصول عليها ولا قيمة سوقية لها مع هذا الغلاء والتضخم الفاحش وجشع كثر ارفقوا بانفسكم وبهذا الوطن نعم الحلول تبدا من اعادة هيبة ١٠ دنانير من خلال من يفهم بالعلم العملي وليس التجريبي الذي انتهى بلا رجعه الا عند ضعيفي الافق الذين يجربون وهم وحضهم قد تنجح في شيء و تفشل في مئات المحاولات الاخرى ولكن هناك اوقات وامور التجريب بها جريمة وطنية، حفظ الله الاردن وطنا وقيادة وشعباً.