مدار الساعة - كتب: الدكتور مهند النسور.. استشاري وبائيات - المدير التنفيذي للشبكه الشرق أوسطية للصحة المجتمعية
مع دخول أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) شهرها العاشر ما نزال في الأردن نعاني من نقص البيانات والأرقام الدقيقة التي بدورها تساعدنا على فهم الخارطة الوبائية بشكل واضح وتدعم التخطيط العلمي والتطبيقي على المستويين المركزي والطرفي .
من الملاحظ ان كثيراً من دول الاقليم والتي تُعد الأقل في مستوى تطور النظام الصحي لديها، قد بدأت بإصدار نشرات دورية متكاملة لتحليل البيانات والمعلومات المتكاملة التي في جُعبتها، بينما مازلنا نعتمد البيانات الأولية التي لم تواكب التطور الذي صاحبَ تطور الوباء من حيثُ عدد الإصابات والوفيات والفحوصات التي تم إجراؤها.
كما أننا ما نَزالُ في الاردن وحتى يومنا هذا نفتقر الى الكثير من البيانات الحيوية والهامه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، توزيع عينات المختبرات حسب المحافظات، ونسبة العينات الإيجابية في كل محافظة، وعدم توفر المعلومة الدقيقة حول عدد ونسبة المعزولين و المحجورين في البيوت في كل محافظة، وما نقرأهُ ونراهُ على شاشات التلفزةِ وفي وسائل الاعلام المُتعددة، ما هو الا قراءات واجتهادات غير دقيقة لتحليل الواقع، وذلك بسبب نقص المعلومات بشكلٍ واضح، ولهذا يتم بناء منظومة البيانات على أُسس ودراسات إقليمية ودولية أو تقديريه وتخمينية، دون امتلاك البيانات والدلائل الحقيقية التي من شأنها أن ترفد صاحب القرار بالمعلومات اللازمة التي تؤهله و تعزز قدرته على اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب.
هذا ما لمسناه من عدم الوضوح في البيانات المتعلقة بعدد الأسرةِ المخصصة لعلاج حالات (كوفيد-19) وتوزيعها حسب المحافظات، وعدد الأسرةِ في وحدات العناية المركزة، وعدد أجهزة التنفس الاصطناعي في المستشفيات الحُكومية والخاصة على امتداد ألوية ومُحافظات المملكه ، وحتى اللحظة نرى غياب المعلومة الواضحة والدقيقة الموجهةِ الى العامة وأصحاب الاختصاص بشكل اساسي .
ان ما عهدناه في الدولة الأردنية من الشفافية والمصداقية في دقة المعلومة والمكاشفة المسؤولة، والتي تجلت بوضوح في خطاب الرد الذي تقدمت به الحكومة على كتاب التكليف السامي، يُحتمُ علينا في هذه المرحلة الحرجة من مسيرة الوباء، أن نعتمد البيانات والارقام الحقيقية، وأن نُشارك هذه البيانات بشفافية ومصداقية يُستند فيها الى المُكاشفة المُلتزمة، والابتعاد عن إخفاء المعلومات اللازمة والضرورية بداعي التردد أو الخوف من ردة فعلٍ مُعنية ، مما يُسهم بشكلٍ مُباشر في ضعف وزعزعة الثقةِ بين الجهة الحكومة المعنية والمواطن والقطاعات ذات العلاقة.
أن توفير المعلومات واتاحتها للمختصين و لعامة الجمهور من شأنه أن يُعزز الثقة بين المواطن والحكومة، بالإضافة الى أن ذلك يُشكل المادة الاساسية والعلمية للتخطيط، واستشراف المستقبل من خلال بناء الشراكة الحقيقية مع الخبراء المحليين، واشراكهم في صنع القرار وتقديم مقترحاتهم الى صاحب القرار، للمُساهمة في اتخاذ الاجراءات المُناسبة، واعتماد السياسات اللازمة في الوقت المناسب، حتى نحد من ظاهرة التخمينات التي تؤدي الى الارتباك والتخبط احياناً في استنباط المعلومات، والتي قد تكون غير دقيقة، مما يتسبب في ضبابية المشهد وضياع فرص التحسين والسيطرة على هذا الوباء.
ومع شعورنا بالتفاؤل بإنضمام معالي الدكتور نذير عبيدات وزير الصحة لقيادة المنظومة الصحية في المملكة، نأمل بايلاء المعلومات والبيانات الأولوية والأهمية القصوى، وتوحيه البوصلة نحو الانفتاح في هذا المجال الحيوي والإستراتيجي لتأثيرهُ المُباشر على اتخاذ القرارات الحاسمة والحساسة في هذا الظرف الدقيق من مسيرة هذا الوباء.