مدار الساعة - أشرف الكيلاني - مدير عام مؤسسة أصدقاء الأمن الوطني
إنّ إزدياد مُعدل وقوع الجريمة في الأردن في السنواتِ الأخيرة ، هو مؤشرٌ خطيرٌ على أنّ أمننا المُجتمعي في خطر ، ومن بابِ المسؤولية ، فإنهُ يتحتم علينا أن ندُق جرس الإنذار ، وأن لا نقوم بالتبرير والمراوغة وإنكار هذهِ الحقيقة ، التي أصبح الجميع يعلمُها وواضحة وضوح الشمس ، فحتى لو غابت وسائل الإعلام عن تسليط الضوء على بعض القضايا الجُرمية التي تحدث هنا وهناك في مُجتمعنا ، فوسائل التواصل الإجتماعي تقوم بالواجب وتنشر هذه الأخبار التي تنتشر بين مُختلف أطياف المُجتمع الأردني كالنار في الهشيم ، وفوق كل هذا ، الناس بدأت ومنذ سنوات تٌلاحظ وتتحدث ، بأن هناك خلل ما وشرخ أصبح موجود في أمننا المجتمعي ، الأمن المجتمعي الذي يُعد ركيزة أساسية للأمن الوطني الشامل لأي دولة في العالم .
عدد من القضايا الإجرامية حدثت في الأردن في الآونة الأخيرة ، هزّت الشارع الأردني ، ولن أُبالغ إن قلت أنها أيضا قد هزت الشارع العربي ، لأنّ الحديث عنها تجاوز حدودنا الأردنية لبشاعة العمل الجُرمي الذي حدث ويُخالف الطبيعة البشرية ، ولا يدخله عقل ولا يقبله شرع أو دين ، ولن أذكر أكثر من قضيتين لن ينساهما الشعب الأردني أبداً لهول ما حدث بها ، فالجميع يذكر الشاب الذي قتل والدته وقطع رأسها ومثّل بجثتها وهو تحت تأثير المخدرات ، والقضية الثانية جريمة الزرقاء الذي كان ضحيتها حدث قُطعت يداه وسُبلت عيناه على أيدي من ليس لهم أي صلة بالإنسانية والبشر ولا يخلتفون أبداً عن أولئك التكفيرين من الجماعات الإرهابية كداعش وأمثالها .
نُعم لا نُنكر بأنّ العوامل والأسباب كثيرة وعديدة ، ولعلّ العامل الإقتصادي وإزدياد مُعدلات البطالة يُعد من أهم العوامل التي أثّرت بشكلٍ مباشر على إزدياد عدد الجرائم على إختلاف أنواعها المُرتكبة في الأردن ، كما لا نُنكر العوامل الإجتماعية والنفسية التي لها دور كبير ، فالهجرات الداخلية للمواطنين بين الأرياف والمُدن والهجرات القسرية بقدوم اللاجئين من الدول المجاورة للأردن ، بالتأكيد قد أثر ذلك على منظومة الأخلاق والعادات والتقاليد السليمة الموروثة عن الأجداد ، والتي كانت حاجزاً مانعاً يحول دون الإعتداء على حقوقِ الآخرين .
أما في الجانب القانوني ، فهو من العوامل المؤثرة جداً في مُعادلة نقصان وزيادة أعداد الجرائم المُرتكبة ، فهناك بعض الأمور التي يجب أن أُشير إليها بهذا الخصوص ، منها سلبية عدم سُرعة البَت في القضايا المنظورة أمام المحاكم ، واحتياجها لوقتٍ طويل لإصدار الحُكم النهائي بها ، وهذا بحد ذاته يخلق حالة من التملمُل وعدم الرضا ، خاصة في نفوس أهل الضحية أو المجني عليه ، وقد يؤدي ذلك لرد فعلٍ عكسي من قِبَلِهم نحو أهل الجاني لإبراد نار صدورهم حسب ما يقولون ، أما فيما يتعلق بالعقوبة الرادعة ، فيجب أن يكون هناك عقوبات مُغلّظة تُثير مخاوف الجاني وتجعلهُ يُفكر عشرات المرات قبل أن يقوم بإرتكاب جريمته ، فتطبيق العدالة وإقامة العقوبة الرادعة على كل خارجٍ على القانون أقدم على القيام بفعلً جُرمي ، هو ترسيخ لدعائم الأمن والأمان في وطننا الحبيب ، وذلك إستناداً لقول الله عزّ وجل " ولكُم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألبابِ لعلكُم تتقون " صدق الله العظيم .
وفيما يتعلق بالجانب النفسي والعوامل النفسية المؤثرة وأثرها المُباشر في حدوث الجرائم وازدياد أعدادها ، توجهتُ بسؤالي هذا إلى أهل العلم والإختصاص ، حيث تحدّثَت إلي أُستاذة علم النفس التربوي الدكتورة نيفين أبو زيد وقالت بهذا الخصوص : " تُعد الصحة النفسية من أهم العوامل المسؤولة عن توجيه تفكير الفرد إلى السواء ، وبالتالي هي السبب الأساسي في السلوك السوي والذي يُعتبرُ مُتطلباً لبناء الفرد الصالح الذي يبني مُجتمعه ، ولهذا يُعتبر المجال النفسي هو الأهم لتداخلهِ في كافةِ مجالات الحياة ، سواء بالعلاقات الشخصية أو العامة ، كما وتُعد الجريمة بكافة أنواعها ومستوياتها ؛ هي النتيجة الحتمية للتفكير غير السوي والتردي النفسي ، ويتم تعديل السلوك بأدوات الصحة النفسية ، وللوقاية من الجريمة ، فلا بد من إستخدام أساليب الصحة النفسية والوقائية المُختلفة ، والتي تتنوع حسب العُمر المُستهدف والمستوى النفسي ، حيث تكشف الدراسات المُتخصصة عن قابلية بعض الأفراد للإنحراف ، وهي تعتمد على حسب ظروف العائلة والتنشئة الإجتماعية " .
وفي الختام ، وبعد كل ما قد ذكرت ، فإنه يجب القول بأنه قد آن الأوان لتطبيق إستراتيجية وطنية للأمن المُجتمعي في الأردن ، تكون هذه الإستراتيجية حقيقية وقابلة للتطبيق ، تُشارك بها جميع مؤسسات الدولة المعنية ، الحكومية والأمنية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني ، على أن يكون المواطن شريك أساسي في هذه المنظومة ، من خلال إبراز أهمية دوره في العملية الأمنية كرديف للأجهزة الأمنية ، بإبلاغه عن أي معلومة مُثيرة للريبةِ والشك ، وقد تُهدد أمن الوطن والمواطنين ، فخلق من كل مواطن شُرطي في مكانه ، هو غايةٌ أساسية أصبحت في هذه المرحلة جراء إزدياد أعداد الجريمة ، ولكن أولاً لا بُد من توعية هذا المواطن أمنياً بالشكل الصحيح والمطلوب ، وأيضاً على جميع الجهات التي تقوم بدورها مشكورة في نشر الوعي الأمني بين المواطنين ، ومنها مديرية الأمن العام بمُختلف إداراتها والتي تقوم بجُهدٍ جبار في هذا المجال ، أن يتم تنظيم هذا العمل قدر الإمكان بين كل هذه الجهات ، وأن يتم أيضاً تشكيل مجموعات من المواطنين وخلق الروابط فيما بينهم وربطهم مع الجهات المعنية ، لضمانة إستدامة العمل معهم وحوكمة المنظومة الأمنية قدر الإمكان ، فبهذه الآلية نستطيع أن نخلق أفراد أمنٍ من المواطنين ، منتشرون في مختلف محافظات المملكة ، في المدن والقرى والبوادي والمخيمات ، لتكون القاعدة الأساسية في المرحلة القادمة ، بأن الجميع شُركاء في المنظومة الأمنية ، ليربح الوطن وجميعنا يربح معه .