كتبت د. آمال جبور
الحرية... الكلمة التي يقابلها مفهوم العبودية، شكلت عبر سيرورة تطور وعي الانسان بوجوده، وما زالت صراعاً ومطلباً واضحاً لدى الشعوب أمام الدولة وسلطتها، لتمثل بالضرورة حقاً طبيعياً ومدنياً لا يمكن التخلي عنه، مؤكدة على مقولة "ان الحقوق تنتزع ولا تمنح".
وعندما نتحدث عن الحرية، فلا نعني بذلك الانفلات من القيود والقوانين والموروث الثقافي والديني كما هو متداول بين العامة، بل إن مفهومه أوسع ومرتبط بالضرورة بمجموعة من المفاهيم كالديمقراطية والتنمية و العدالة والمساواة، داخل حدود الدولة التي يحكمها عقد إجتماعي تنتظم شوؤن افراده وجماعاته ومؤسساته وأحزابه ونقاباته بمساواة عادلة على المستويات كافة وهنا نصل إلى أعلى مراتب الدولة والتي تتمثل بالحرية التي تتوج اهمية الفرد والمجتمع وبالتالي تعطي قوة للدولة ومؤسساتها لا ضعفا لها.
وللأسف لم توفق هذه الشعارات بتحقيق اهداف احزابها ونقاباتها وافرادها وجماعاتها، لتبحث من جديد عن مساحات بديلة وبعيدة عن ادوات الدولة واجهزتها، لتجد في مواقع التواصل الاجتماعي هذه المساحة التي يحتمي بها وكأنها العشيرة والقبيلة ليعبر من خلالها عما يجول في نفسه من قضايا، لتكون هذه منابره الجديدة التي يرفع من خلالها صوته نحو الحرية، فكيف لا ...فهو الإنسان المستثمر دوما أدوات عصره ليعبر عن وعيه بحقيقة وأهمية وجوده ودوره وحقه في الحياه، فهو من ولدته امه حرا لا عبدا.
وبالرغم من حالة الفوضى التي يعج بها هذا العالم الاجتماعي الاصطناعي سواء اتفقنا او اختلفنا مع عمق او ضحالة رواده، الا انها شكلت شبحاً ثائراً في وجه الدولة واجهزتها، باحثة الاخيرة عن ادوات جديدة لقوننة أو اكممة الاصوات، متناسية ان وجود الانسان تاريخيا مرتبط بحريته منذ خلقه، وهو الفاعل والاداة الاقوى في تغيير مجرى التاريخ نحو الامام وان اخذت ثوراته وانتفاضاته عقوداً من الزمن.
هذه الحرية التي لطالما يتوق لها الانسان عبر تاريخه هي الان بالضرورة ركن اساسي في تطور مجتمعاتنا، فالحرية تقوي الفرد والمجتمع وبالتالي هي قوة للدولة وليست ضعفا لها.
وتبقى ممارسة الحرية في مجتمعاتنا العربية الى الآن خارج قوانين الدولة وحلماً لا ينتهي ويصطدم بمفهوم الدولة واجهزتها ودساتيرها وخطابها الذي مازال ينظر إلى الفرد بأنه غير منتج وغير مشارك في شؤون حياته،، ولا يحق لصوته ان يعلو الا داخل صندوق الاقتراع، لتبقى ثقافة الفرد العربي مقفلة داخل صناديق عبوديته واستبداده.