عبارة (نحن الدولة) التي قالها الإخواني ناصر النواصره نائب نقيب المعلمين، هي نتاج ثقافه تربى عليها بعضهم ممن يبالغ بتصور دور الإخوان المسلمين وحجمهم في المجتمع الأردني، بالتاريخ السياسي الأردني، إلى درجة يصلون فيها إلى تركيب معادلة أحد شقيها الإخوان، والدولة شقها الآخر، ويذهبون إلى تصوير الأمر على أنه ميزان متعادل الكفتين هما الدولة والإخوان، ويزيدون بمبالغتهم حول دور ووزن الإخوان إلى درجة ربط استقرار الدولة والمجتمع الأردنيين بالإخوان، وكلها أوهام مخالفة للحقيقة.
أول المغالطات التي يقع فيها هؤلاء، هي أنه ما من تنظيم اهلي قادر على مغالبة دولة مستقرة منحت هذا التنظيم فرصة الوجود على أرضها، وحرية الحركة على هذه الأرض، مثلما فعلت الدولة الأردنية مع الإخوان المسلمين.
أكثر من ذلك فإن الوثائق والوقائع تقول أنه منذ تأسيس(جمعية جماعة الاخوان المسلمين ) في الأردن على يد المرحوم عبد اللطيف ابو قورة وإخوانه من نشطاء العمل الخيري والاجتماعي ، حضيت الجماعة برعاية خاصة من جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين ثم جلالة الملك حسين رحمهما الله، والأدلة على ذلك كثيرة، من بينها المراسلات بين الملك المؤسس ومرشد الجماعة الأول حسن البنا، الذي أوفد إلى الأردن صهره وأمين سر الجماعة عبد الحكيم عابدين للمساهمة في التنسيق بين الدولة الأردنية والجماعة, حيث فكر الملك بتعينه وزيراً، ، مما يدل على مستوى الرعاية التي كانت الدولة توليها للجمعية الناشئة، وهي الرعاية التي جعلت كبار رجال الدولة والقصر ينخرطون في عضويتها ، فكان أحمد الطراونة أول وكيلا عاما منتخبا لها (أمينا عاما) وهزاع المجالي من رموزها في الكرك، وصار بعض أعضائها مدراء للأجهزة الأمنية, وصار من لجانها الأساسية لجنه للتنسيق الأمني، ولذلك لم يكن مستغربا أن يتم افتتاح المركز العام للإخوان المسلمين تحت الرعاية الملكية السامية وأن تبدأ احتفالاتهم بالسلام الملكي.
كان ذلك كله قبل تورة ٢٣يوليو المصرية، وقبل وقوع الخلافات بين الأردن والحكم المصري الجديد، ومن ثم حاجة الدولة الأردنية للإخوان المسلمين في صراعها مع جمال عبد الناصر وأنصاره في العالم العربي والأردن كما يقول الإخوان المسلمين قلباً للحقائق، ذلك أن الحكم المصري ضيق الخناق على الإخوان المسلمين ليس في مصر وحدها بل في معظم الدول العربية التي حالفته، بينما فتح الأردن أبوابه للمطاردين من الإخوان المسلمين وأعطى قياداتهم جوزات سفر مثلما فعلت مع زوج ابنة حسن البنا و سكرتيره الشخصي سعيد رمضان وغيره كتير، بل ان الأردن منح اخوان مسلمين من غير الأردنيين وظائف في أجهزة الدولة، أي أن الدولة الأردنية هي التي حمت الإخوان المسلمين ليس الأردنيين منهم فحسب, بل شكلت ملاذا آمنا للإخوان من غير الأردنيين, لذلك كان من الطبيعي أن يصبح الإخوان جزء من أدوات الأردن في المواجهة مع المد الناصري دفاعا عن أنفسهم أولا وقبل كل شيء
ولما اشتد الصراع السياسي في الأردن في خمسينات القرن الماضي بفعل المد الناصري, وحلت الحكومة الأردنية الأحزاب, استثنت الإخوان من قرار الحل, باعتبارهم جمعية، و لحساباتها السياسية على مستوى المنطقة , وفي الأرشيف الكثير مما يؤكد هذه الحقيقة, وقد حفظ الإخوان الأوائل هذا الافضال للدولة الأردنية، والتزموا قوانينها طيلة فترة حاجتهم لحمايتها.
حتى إذا توهم بعضهم غير ذلك وتجاهلوا الادلة الكثيرةَ التي تؤكد على أن العلاقة بين الاخوان المسلمين وبين الدولة الأردنية لم تكن يوما طرفي معادلة كما يحاول البعض أن يصوره, بل هي علاقةحماية ورعاية من الدولة الأردنية بسطتها على مؤسسة مجتمع مدني طالما التزمت بالقانون والنظام العام، فإن خرجت عنهما وجب ردعها .