كتب: الدكتور: علي منعم القضاة *
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، أبدأ معكم من جديد بـ(شذراتي العجلونية)، نتذاكر في كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.
إنجاسا (زا) تهم الحضارية في بلادنا
قدمنا في آخر شذرتين لمحة عن جذور ديمقراطية الغرب التي قامت على مبادئ من العنصرية، الديمقراطية التي تعشق سفك الدماء، ولا ترتوي إلا أن ترى اللون الأحمر القاني، يغمر كل دول الشرق التي تحتلها، وعن تمسك دساتير تلك الدول بالدين، ومطالبتهم لدول الشرق بالتخلي عن دينهم.
وسنبين أمثلة من إجرام دول أخرى في بلادنا؛ آملاً أن نقرأ رأي الحداثيين، والليبراليين، والعلمانيين العرب فيما حققته تلك الدول الاستعمارية، من قتل ودمار وانتهاك لكل حقوق الإنسانية في بلادنا. نبدأ بما فعلته فرنسا في جماجم الجزائريين، ثم نكتب إن شاء الله عن إجرام الروس، وإجرام المجوس، في الشذرة التالية.
فرنسا أم العطور، ذكرياتها ليست عطرة
تفاخر الحضارات بإنجازاتها على الصعيد الإنساني والعملي والعمراني، وفي مجالات الثقافة والفنون، وتخليد الآثار والمتاحف التي تتحدث عن رقيها وتقدمها، ولكن ما تصدمنا به حضارة فرنسا في كل البلدان التي احتلتها، أنها تركت بصمات؛ أقرب إلى وصمات العار في جبين الحضارات، حيث تفننت فرنسا باستخدام الأساليب القمعية في جميع الدول التي احتلها، وهذا ما سجله التاريخ في دول المغرب العربي في شمال أفريقيا، وفي مصر، وفي سوريا.
وإذا صح الكلامُ بأن النازيين ارتكبوا محرقة في حقّ أوروبيين، فإنّ الجيش الفرنسي أحرق الجزائريين في المغارات، وأباد قرى كاملة بقنابل النابالم، واستخدم الجزائريين فئران تجارب في تفجيراته النووية، التي قام بها في صحراء الجزائر.
متحف "اللإنسانية" في باريس
إن من يطّلع على سجل فرنسا في الدول التي احتلتها، خاصة في الجزائر، سيصاب بالصدمة الدائمة، لأن فرنسا لم تقم فقط بقطع رؤوس المجاهدين؛ بل أهانت الإنسانية، بوضع الجماجم في متحف الإنسان، وبهذا نجد أن جنرالات فرنسا؛ هم المعلمون الكبار في القتل والجرائم ضدّ الإنسانية.
لم يسجل تاريخ الصراعات والحروب، أن قوماً قطعوا رؤوس ألاف البشر، ثم أودعوها بمتاحفهم، على أنها إنجاز حضاري لفترة تصل إلى (150) عام، إلا جنرالات فرنسا. فقد احتفظوا بجماجم الجزائريين التي كانوا يفصلونها عن رؤوس ثوار الجزائر، ثم يرسلون الجماجم إلى متحفٍ في باريس، لا يعرف أدنى معاني الإنسانية، لكنهم يسمونه متحف الإنسان.
ورّثوا أحفادهم متحفاً يضم في صناديقه المغلقة (18) ألف جمجمة من جماجم ثوار الجزائر وحدها، إضافة إلى جماجم آخرين قتلوهم في دول أخرى احتلوها، فبئست الحضارة حضارتهم، وتعست الإنجازات إنجازاتهم، وبئس الموروث ما ورثه أحفادهم.
جرائم الاستعمار لا تسقط بالتقادم
ها هي الجزائر بلد الشموخ والصمود والعزة والأنفة؛ بلد المليون شهيد، تسترجع جماجم شهدائها من فرنسا، جماجم أبطال قتلوا في مقاومة القوات الاحتلال الفرنسي، وحرموا من حقهم الطبيعي والإنساني في أن يدفنوا، كبقية الأموات لأكثر من قرن ونصف، "الاستعمار جريمة ضدّ الإنسانيّة"، وللجزائريين الحق بالمطالبة بهذه الحقوق التي لا تغتفر.
بطل مصر القوميّ قطعة ديكور في فرنسا
تنتهك الكثير من الآثار الموجودة في المتاحف الأوروبيّة الكرامة الإنسانية، وإن الشكل والأسلوب الذي تعرض فيه فرنسا الجماجم، لا يقتصر فقط على حرمان جسد الميت من حقّه بالدفن في التراب كبقية البشر؛ بل يصفون الذين يدافعون عن أوطانهم، وعلى ترابهم الوطني، بأنهم مجرمين. خاصة وجود الجماجم وعرضها في المتحف اللإنساني في باريس، كقطع ديكور، يعكس حقيقة الحضارة الفرنسية.
يتشابه في ذلك كل ثوار العالم في الدول التي احتلتها فرنسا؛ كحالة جمجمة سليمان الحلبيّ، الذي اغتال الجنرال كليبر قائد الحملة الفرنسية على مصر عام 1800، وقد اعتقلت فرنسا سليمان الحلبي، وأعدمته بطريقة إجرامية (أعدمته بالخازوق)، ثم قامت بعدها بجز رأسه ونقل جمجمته إلى باريس، وعرضتها في متحف اللإنسانية كإنجاز لحضارتهم.
عذرهم أقبح من الذنب في سوريا
بعد مائة عام من فعلة غورو النكراء، قام حفيده جان لوي غورو بزيارة إلى سوريا، ليقدم اعتذاره عن جرائم جده، وعن الجرائم التي ارتكبتها بلاده بحق الشعب السوري.
وآن لنا أن نختم بقصة اختراع العطور الفرنسية التي تُعَدُ أكثر العطور شهرة في العالم، فقد اشتهرت باريس بصناعة بالعطور الفاخرة، والسبب في اختراعها الرئيس، انتشار الرائحة النتنة من أجسامهم لقلة النظافة، ومن أجل إزالة هذه الرائحة النتنة قاموا بصناعتها.
كلامي هذا ليس إدعاءً عليهم؛ بل هي حقيقة شهدوا بها على أنفسهم؛ إذ إنه معروف في التاريخ أن ملك فرنسا لويس الرابع عشر قد وصِفَ بأن رائحته أقذر من رائحة الحيوان البري، وكانت إحدى جواريه، وتدعى دى مونتيسبام تنقع نفسها فى حوض من العطر حتى لا تشم رائحته. كما كان الهنود الحمر يضعون الورود فى أنوفهم عند لقائهم بالغزاة الأوروبيين بسبب رائحتهم التى لا تطاق.
ويقول الكاتب الفرنسي "ساندور موراى" فى كتابه "اعترافات بورجوازي": إن الأوربيين كانوا يعتبرون أن الاستحمام كفراً، ويعتقدون أن الاغتسال يسبب أضراراً بدنية، وكانوا لا يغتسلون فى مناسبتين، الاستعداد للزواج، أو عند المرض. كما يقول المؤرخ الفرنسى دريبار: نحن الأوروبيين مدينون للعرب بالحصول على أسباب الرفاهية فى حياتنا العامة، فالمسلمون علمونا كيف نحافظ على نظافة أجسادنا.
إقرأ أيضاً: علي القضاة يكتب: شذرات عجلونية (1)