انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

أسامة شحادة يكتب: العلم نقطة كثرها الجاهلون

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2020/06/12 الساعة 00:18
حجم الخط

كتب: أسامة شحادة

تشتهر هذه المقولة عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (العلم نقطة كثرها الجاهلون)، وهذه حقيقة صادقة فالعلم والمعرفة الصحيحة والسليمة نقطة بمعنى أنها محدودة وبسيطة وواضحة، بينما الجهل فهو متعدد وكثير ومتناقض ومتضارب ومعقد وغير واضح، وللحظ هذا في كلام الكهان والعرافين أو النصابين والمحتالين أو الأطباء المزيفين والذين يبيعون وهم الشفاء على الناس، ولعل مقولة أديسون حول المصباح الكهربائي تجسد لنا نقطة العلم وكثرة الجهل حين قال: أنا أعرف طريقة لصناعة المصباح و١٠ ألاف طريقة لا تصنع المصباح!

وتكاد هذه الكلمات المعدودة تفسر لنا إشكالية معاصرة ومقلقة وهي أنه برغم انفجار ثورة المعلومات في عصرنا وبكافة الأشكال والصور من آلاف عناوين الكتب التي تقذف بها المطابع أو تبثها منصات الكتب الإلكترونية أو ملايين المقالات والتحليلات التى تنتجها الصحف والمجلات والدوريات على تنوع اهتماماتها وتخصصاتها فضلا عن الأعداد غير المحدودة للأخبار المقروءة أو المشاهدة أو المسموعة فضلا عن البرامج الإذاعية والتلفازية، ومقابل هذا كله طوفان أمواج مشاركات العامة في وسائل التواصل الاجتماعية، برغم كل هذا الانفجار المعلوماتي فإن مساحة الجهل تزيد ولا تنقص! وتقبل الإشاعات والخرافات يروج بشكل خرافي!

وهذا لا يختص بمجال معرفي دون سواه، فعلى صعيد الشأن الديني والإسلامي تحديدا فإن الكتب والمقالات والبرامج والرسائل على شبكات التواصل والتي تفتقد للسند العلمي والدقة الموضوعية هي الأكثر انتشارا وتداولا!!

ومن مظاهر جهل وفساد هذه الكتب والمواد كون أصحابها غير مؤهلين أو منحرفين عن المنهجية العلمية المتفق عليها أو تداولها لأحاديث ضعيفة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم أو تقوم على أخطاء في فهم الأدلة الشرعية، ومن أشهر الأمثلة على ذلك رسالة الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية! والتي تتداول بين الناس من عقود ولا أصل لها ولا يعرف من هو الشيخ أحمد أصلا! والغريب أن الرسالة تقوم على فكرة مغلوطة وساذجة لكنها تروج على مثقفين كبار، فهي تطلب من الناس إعادة نسخ كميات منها باليد أو الطباعة وإلا ستصيبهم عقوبة من الله عز وجل! وسذاجة الطلب أن المسلم والمسلمة إذا لم يوزع المصحف أو ينسخ منه لا يعاقب وليس مطلوب ذلك منه أصلا، فهل هذه الرسالة المزعومة أفضل وأهم من المصحف!

ولو أخذنا حالة وباء الكورونا كوفيد ١٩ اليوم وبرغم أن هذا أمر يتعلق بالطب والعلم، إلا أنك لو فتشت عن حجم المنشورات العلمية المحترمة والأخبار الصحيحة والموثوقة عنه من مصادر معتبرة، مقارنة بحجم انتشار الشائعات والخرافات والمعلومات المضللة لكانت لصالح الخرافة والجهل بأضعاف مضاعفة!!

ويتمثل ذلك بصور متعددة منها:

إعادة نشر مقاطع ومعلومات قديمة عن أصناف سابقة من عائلة كورونا باعتبارها تخص كوفيد ١٩!!

الكذب والتزوير بترجمة بعض المقاطع لتمرير نظريات المؤامرة على غرار ترجمة خطاب لرئيسة ألمانيا ميركل أنها تشكر طبياً تونسياً على اختراع دواء لكوفيد ١٩!

اجتزاء بعض المقاطع أو الجمل من سياقها للبرهنة على أوهام محددة وإشاعات لا حقيقة لها، كمثل حكاية الشرائح التي سيحقن بها البشر.

ومن ذلك قيام البعض بكتابة خطاب أو رسالة على لسان شخصية مشهورة فتنتشر انتشار الهشيم وتصبح مسلمات يستدل بها وهي في حقيقتها خيال جامح وكلام مرسل! كالرسالة والمخاطب المنسوب لترامب في هذه الفترة.

فمثل هذه المعلومات عبرت كوكب الأرض من شماله لجنوبه ومن غربه لشرقه العديد من المرات بينما الأوراق العلمية تزحف زحف السلحافة بين أيدى الباحثين ولا تلقى رواجا وإقبالا.

النتيجة التي أود الوصول لها من خلال هذه المقولة الذهبية للخليفة الرابع علي رضي الله عنه أن ضبط منهجية التعلم والمعرفة بالحرص على العلم الصافي والصحيح يوفر على الإنسان الوقت والجهد، وهو أمر واضح وليس مرهقا متعبا على غرار اتباع الجهل والخرافات.

وذلك يكون من خلال ضبط المنهجية العلمية والتي من قواعدها الأساسية التي نبه لها علماء السنة من قرون: إن كنت ناقلا فالصحة أو دعيا فالدليل.

فلو التزم كل منا قبل أن يقبل أو ينقل خبرا أن يتثبت منه لانحصرت كثير من الأكاذيب والشائعات، لكن حين يتحكم الهوى بالإنسان فإنه يغفل آلية التثبت وهي أمر رباني "فتثبتوا"، وكم يتناقل الفضلاء أخبارا وقصصا ومنشورات هي أحاديث ضعيفة أو أخطاء شرعية أو أكاذيب وأراجيف أو صور ومقاطع مفبركة ثم تصبح هذه مسلمات وثقافة عامة!

ولو كان طلب الدليل أصلا ثابتا يطالب به كل مدعى كما يأمرنا ربنا "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" (البقرة: ١١١)، لانكشفت الحقائق من الأباطيل، والدليل المطلوب بحسب الدعوى ومجالها.

بهذه المنهجية العلمية نضبط مسارنا العلمي على الصعيد الفردي والمجتمعي، وتتبدل الثقافة السائدة من ثقافة الكثرة الفارغة والجاهلة لثقافة النقطة السليم والواعية، وعند تحقق هذه الحالة المجتمعية تتحقق لهذا المجتمع النهضة والقوة والريادة.

أما بقاء ثقافة الجهل الكثير فسنبقي ندور بين نجاح واخفاق جزئي كما هو مشاهد من عقود بل قرون!

مدار الساعة ـ نشر في 2020/06/12 الساعة 00:18