لا شك أن أي حكومة تدير شؤون البلد حسب استراتيجتها التي يكون الرئيس فيها هو المنظّر، وعلى رأي المثل، لكل شيخ طريقة، ولكن ما سلكته الحكومة هو طريق يشبه الجسر الطائر في الهواء، فنتيجة اعتلالات سابقة في إدارة موارد الدولة وقوانين الضريبة والرسوم وسوء تطبيقات القوانين، بات الغطاء مكشوفا بما لا يحمي فكرة الحماية الإجتماعية التي هي أساس إدارة الحكومة، فجاءت أزمة كورونا لتأتي على الأخضر واليابس مستهدفة الشريحة الأوسع من المواطنين والموظفين في القطاع الخاص وقطاع الأعمال اليومية.
في الدول التي لديها استراتيجيات واضحة ومبنية على أسس بناء قوية، تم تبني سياسة الإنفاق ودعم الطبقات والمحافظة على الوظائف ودعم مشاركة القطاع الخاص في المسؤوليات الاجتماعية والحفاظ على الحد الأعلى من الموظفين، وعندما تضخ الحكومات الأموال مباشرة على الحواضن الوظيفية فهي تعلم أن كل قرش يأخذه المواطن سيبقى في دائرة التحصيلات الحكومية بناءً على حركة الشراء وسداد الالتزامات والانتقال المعتاد لأموال المعاشات في الأسواق، فالحكومة لن تخسر شيئاً بل ستحقق إيرادات وتدعم حركة الأسواق.
ما يحدث عندنا من خوف أصاب المسؤولين أكثر من المواطنين، جعل القاعدة تنقلب وهذا ما كان واضحا في أمر الدفاع المعدلّ بأثر رجعي الذي أصدره دولة رئيس الوزراء والذي نص على السماح للإدارات وأصحاب الأعمال لاقتطاع ثلاثين بالمئة من رواتب الموظفين بشروط محددة عن شهر أيار الماضي وحزيران الحالي وقد يمتد الى ما لا نعلم ، وهذا يسجل عنوانا جديدا لمرحلة إنتقالية جديدة من مشكلة التعاطي مع فيروس كورونا كأزمة صحية، الى مشكلة مالية تسبب أزمة اجتماعية متوالية، إنكشف فيها ستر الآلاف من العائلات والموظفين الصغار .
لقد صبر الشعب والمؤسسات على الحكومات دهرا طويلا وسنوات كثيرة، رأينا فيها ما لا يمكن إحصاؤه من أخطاء وتجاوزات وإهدار للمال العالم على مشاريع فاشلة وعطاءات بانت عورتها، وتمرد على قوانين المالية العامة وكسر قانون الدين العام وسياسة إقتراض فادحة دون أن يحاسب أحد من المسؤولين السابقين عنها، وتراجع عن سياسات الدعم للقطاعات الاقتصادية وتقصير فادح بمحاربة المعوقات على الاستثمار وعدم وجود إرادة لخلق جيل شباب منتج أو فتح فرص عمل حقيقية له، وبعد هذا كله لم تتحمل الحكومة ولا القطاعات المالية الكبرى الصبر على الموظفين شهرا واحدا.
إذا كان هناك فعلا شخصيات وطنية تنعمت في ظل هذا الدلال الفاره سنوات طويلة تسبح في عسل الأرباح والاعمال الناجحة وغيرها من أصحاب الشركات المالية والصناعية والمنشآت الكبرى ، وتتحكم في إدارة الموارد في ظل حياة تقشف فاضح لغالبية الأردنيين في المحافطات والقرى الفقيرة وبطالة مخزية لآلاف الشباب، فهم اليوم مسؤولون عن رفض أي مساس لقمة عيش هذا الشعب الصابر، وعليهم أن يردّوا الجميل ويتبعوا طريق البذل والعطاء ومساعدة أرباب العائلات من موظفيهم لا القذف بهم الى شوارع المظاهرات والقلاقل.
هناك مثل شعبي يقول : جماعة تعاونت ما ذلّت، فهل هناك من سبيل لأن يفهم من يقرأ تاريخ الشعوب التي ثارت لأجل لقمة العيش، وحتى لا نظل نجلد بالحكومات فعليكم أن لا تطعموا الفقير للغني، وعلى "طبقة الكريما" المختبئة أن تدعم بقاء الناس في وظائفهم، حفاظا على هذا البلد واستقراره وأمنه الذي لا يقدر بجبال الذهب، فهل هناك من يعيّ ويتفكرّ؟
Royal430@hotmail.com