انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف شهادة جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

أنور العتوم يكتب: حينما يكون «الحصيني» صاحبك

مدار الساعة,مقالات,الضفة الغربية,الملك عبدالله الثاني بن الحسين,وزارة الخارجية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

كتب: الدكتور انور العتوم *

جاءت احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، لتشكل ذريعة للولايات المتحدة واسرائيل، لضرب الامن القومي العربي في الصميم ، من خلال احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003 ، الذي شكل نكسة هي الاولى من نوعها في تاريخ النظام الاقليمي العربي .

اسفر الاحتلال الامريكي للعراق عن تبؤ الحكم في العراق زمرة من "الحاقدين" على نظام الحكم السابق في العراق ، وعلى كل من والاه ، وفي مقدمتهم الاردن ، اذ كان سقوط النظام السابق خسارة للاردن ، كون ذلك النظام كان يشكل عامل ردع للتوسع الايراني في المنطقة ، ناهيك عن انه كان يشكل قوة خلفية للاردن تحسب لها اسرائيل الف حساب ، قبل ان تفكر في الاقدام على اي قرار عسكري قد يمس المنطقة الشرقية المحاذية لكيانها ، خاصة قبل قيام الاردن بتوقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل عام 1994.

كان العراق هو العدو الرئيسي الذي يواجه اسرائيل قبل عام 2003 ، وكان على رأس الدول العربية التي وضعتها اسرائيل على قائمة استراتيجيتها الرامية لتفتيت وتقسيم المنطقة العربية الى دويلات صغيرة ، وذلك في اطار المخططات الاسرائيلية الهادفة الى اقامة ما يسمى بـ"دولة اسرائيل الكبرى".

وقد ظل العراق التهديد الاستراتيجي الاكبر لاسرائيل وهدفا نوويا لها، كما جاء في استراتيجيتها النووية – فيما اذا وصلت القوات العراقية المفرق – حتى احتلاله من قبل الولايات المتحدة عام 2003 .

وهكذا ، فقد لعبت اسرائيل دورا كبيرا في تحريض الولايات المتحدة على احتلال العراق ، مما يدعونا الى القول بأنه لا يمكن الحديث عن القضية العراقية بمعزل عن اسرائيل قبل عام 2003 ، اما بعد عام 2003 ، فكانت ايران هي اللاعب الابرز على الساحة العراقية ، والمستفيد الاكبر من الحرب على العراق، بعد ان سمحت الولايات المتحدة بنفوذ ايراني ضخم في العراق ، تثير ضخامته الاستغراب ، وتطرح العديد من الاسئلة حول ماهيته وكيفية تحقيقه في ظل الاحتلال الامريكي للعراق ، وفي ظل العلاقات الامريكية الايرانية التي بدت للعالم بأنها في غاية التوتر منذ الثورة الاسلامية الايرانية عام 1979 ولغاية اليوم .

تركت الولايات المتحدة باب العراق مفتوحا على مصراعيه لهذا النفوذ ، بعد ان تلاقت المصالح الامريكية - الاسرائيلية والايرانية على الإطباق على المنطقة ، من الغرب اسرائيل ، ومن الشرق ايران ، ناهيك عن عامل القوة الذي اصبحت تتمتع فيه ايران ، والذي جعل منها رادعا للولايات المتحدة في العراق وافغانستان ، خاصة وان ايران اصبح لديها القدرة على السيطرة على مضيق هرمز ، وتهدد باستمرار باغلاقه اذا ما استمر الحصار الغربي عليها ، بسبب برنامجها النووي . يأت هذا في ظل عدم قدرة الولايات المتحدة على شن حرب تقليدية جديدة ضد ايران .

واذا كان لا يمكن الحديث عن القضية العراقية بمعزل عن الحديث عن المتغير الاسرائيلي قبل عام 2003 ، فأنة لا يمكننا الحديث عن القضية العراقية بمعزل عن المتغير الايراني بعد العام 2003 . فقد عملت ايران منذ الاحتلال الامريكي للعراق على بسط نفوذها السياسي والديني والعسكري والثقافي والتعليمي والاجتماعي على العراق وشيعته ، واستخدامهم لمصلحتها ، والعمل على السيطرة على المؤسسة الدينية في النجف من قبل رجال الدين من الاصول الايرانية لإستصدار الفتاوي التي تخدم الاهداف والمخططات الايرانية ، واصبحت ايران هي المتحكم الرئيسي في العملية السياسية في العراق وفي الجيش العراقي ، وفي كافة الاطياف السياسية وفي رسم السياسة العراقية الداخلية والخارجية ، وفي تحشيد التيارات والكتل السياسية العراقية ضد الامريكيين ، وخاصة التيار الصدري الذي كان يهدد ما بين الفينة والاخرى بالعودة لاستخدام السلاح ضد القوات الامريكية اذا لم تنسحب من العراق في موعدها المحدد ( انسحبت نهاية عام 2011 ) ، لا بل اصبح في الحكومة العراقية العديد من الوزراء والمسؤولين الايرانيين ومن الاصول الايرانية ، الذين يعملون على " ايرنية " العراق بكل المقاييس، ومنهم على سبيل المثال الايراني علي زندي ( علي الاديب ) ، وحسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء ووزير النفط ووزير التعليم العالي سابقا ، والكثير الكثير .

حدث ذلك كله برضى من "الحصيني" الولايات المتحدة ، التي دعمت الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالمال والسلاح طيلة الحرب العراقية الايرانية من 1980 - 1989 ، بغية انهاك الدولتين في الشرق، لكن "الحصيني" الذي دعم صدام في حربه مع ايران، وشجعه على اجتياح الكويت عام 1990 ، عاد كعادته ليغدر بصدام وبالعراق ، بعد ان ادرك ان صدام خرج من الحرب العراقية الايرانية اقوى مما كان عليه من قبل ، وبعد ان اصبح يهدد الكيان الصهيوني بشكل علني ، حيث اتخذت الولايات المتحدة اجتياح صدام للكويت ذريعة لمحاربته منذ عام 1990 ، حتى انتهى الامر باحتلال العراق عام 2003 ، وتقديمه لايران ( عدوة الولايات ظاهريا ) على طبق من ذهب ، لا بل سمحت لايران بأن تكون المتحكم في المنطقة ، واستخدمتها كعصا للهش بها على دول الخليج، اذ عملت على ابتزاز دول الخليج كافة، وخاصة السعوية (الصديق الحميم للولايات المتحدة) بشكل ظاهر وعلني ومستمر ، خاصة في ظل ادارة ترامب ، الذي اخذ على عاتقه ابتزازها وتهديدها بشكل دائم اذا لم تدفع له (الخاوة) ، ثمن الحماية الاميركية .

وصلت ابتزازات " الحصيني" للصديق السعودي الى حد اتخاذ واشنطن قراراً بسحب جنود امريكيين وانظمة دفاعية تتكون من بطاريات صواريخ باتريوت ، واسراب طائرات كانت قد نصبتها الولايات المتحدة لحماية آبار النفط السعودية ، بعد ان تعرضت هذه المنشآت للاستهداف من قبل الصواريخ الايرانية الموجودة بيد الحوثيين، مع انها لم تستطع منع الصواريخ الحوثية ( الايرانية ) من الوصول الى اهدافها ولا مرة ، سواء في مناطق المنشآت النفطية في المنطقة الشرقية من السعودية ، او في مناطق من العاصمة السعودية " الرياض " .

والمثير للاستغراب و"السخافة " ، لا بل المضحك في الموضوع ، ان واشنطن بررت سحب دفاعاتها الجوية والعشرات من طواقمها واسراب من طائراتها المقاتلة بأن ايران لم تعد تشكل خطرا مباشرا على المصالح الامريكية في المنطقة . وبذلك ، فأن واشنطن تكون قد اعطت الضوء الاخضر لايران لتنفيذ ما تشاء في المنطقة، مثلما سلمت العراق لها على طبق من ذهب بعد عام 2003 .

يحدث هذا في ظل لعبة القط والفار ما بين واشنطن وطهران (دون الاقتراب او الاصطدام مع بعض ) ، اذ انه بعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس والقيادي في الحشد الشيعي ابو مهدي المهندس بعملية جوية امريكية قبل عدة اشهر ، جاء مقتل الايراني اللواء عبدالرضا شهلائي وجميع طاقم حراسته في اليمن مؤخرا على يد القوات الامريكية ايضا ، ليؤكد على استمرار لعبة القط والفار بينهما ، وفي الوقت ذاته استمرار الابتزاز الامريكي للسعودية ليتجاوز مبلغ الـ 450 مليار الذي حصلت عليه منها عنوة، ولعب دور الذئب في الغابة معها ومع دول الخليج العربي عامة ، خاصة بعد عدم امتثال السعودية للمطالب الامريكية الاخيرة بتخفيض انتاج النفط ، وانعكاس ذلك على حرق اسعار النفط الامريكية.

ليس هذا فحسب ، بل ان اقرار الكونغرس الامريكي "لقانون جاستا " الذي يسمح بإقامة دعوات قضائية من قبل متضرري احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد السعودية ، والتلويح باستخدام هذا القانون هو نوع من الابتزاز الذي يمارسه " الحصيني " على صديقه السعودي.

إضافة لما سبق ، فإن تصريحات ترامب المتكررة والتي اشار فيها الى ان امريكا تسعى لوقف انتشار الاسلام الاصولي، وان النهج الجديد الذي يجب ان يتبناه الحزبان بأمريكا وحلفاؤها في الخارج واصدقاؤها في الشرق الاوسط ، وخاصة اسرائيل التي سماها ب "الحليف الاعظم " يجب ان يتمركز حول تحقيق هذا الهدف . هذه التصريحات هي تصريحات تحمل العداء للاسلام والدول الاسلامية التي ترتبط مع " الحصيني " بعلاقات حميمة .

وقد اعتبر الكثير من المسؤولين الامريكيين هذه الافكار خارطة طريق لهم يسعون لتنفيذها ضد الاسلام والمسلمين ، فهذا مستشار الامن القومي الامريكي السابق ميشائيل فلين يقول حرفيا : ( تماما كما واجهنا من قبل النازية والفاشية والشيوعية ، علينا ان نواجه الفكر الاسلامي ، وان الاسلام هو سرطان خبيث دخل جسد 1.7 مليار شخص على وجه هذا الكوكب ، ويجب استئصاله ) . يأت هذا في ظل مبايعه سعودية كاملة واستسلام وتماشي مع السياسة الامريكية الداعمة للدولة الصهيونية ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على ارضه المحتلة .

أما بخصوص القضية الفلسطينية ، القضية المركزية بالنسبة للاردن ، فلم يأخذ " الحصيني" العلاقات الاردنية الامريكية الاستراتيجية والطويلة بعين الاعتبار حينما طرح مشروع ما يسمى ب " صفقة القرن " ، وقام بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس ، وحينما شجع دولة الكيان الصهيوني على ضم اجزاء من الضفة الغربية وغور الاردن ، والذي ادى الى ردود فعل غاضبة من جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين خلال تصريحاته لمجلة " دير شبيغل " الالمانية ، كانت بحجم الحدث ، حينما صرح بأن بأن قرار الضم سيؤدي الى صدام مع الاردن ، وهي رسالة قوية من ملك شجاع تلقفتها الادارة الامريكية سريعا ، لتسارع في الرد من خلال تصريح الناطقة بإسم الخارجية الامريكية مورغان اورتاغوس ، التي اكدت ان الضم لم يكن سببا لزيارة وزير الخارجية الامريكية مايكل بومبيو لدولة الكيان الصهيوني مؤخرا ، ولتؤكد ان الاردن يلعب دورا مهما في الشرق الاوسط ، وان الجلوس على طاولة المفاوضات وفق رؤية ترامب هو الحل الامثل للوصول الى سلام بين كافة الاطراف .

هذا هو " الحصيني" وهذه صحبته ، وعلى الرغم من معرفة دولنا العربية والاسلامية به وبأفعاله الدموية الارهابية العدوانية ، الا انها لا زالت تضع رقابها على مقاصله ، منحنية خانعة لإرادته بطريقة مذلة وغير مسبوقة في تاريخ الامة .

في ظل هذا الواقع العربي المؤلم ، فإن المطلوب من القادة العرب اليوم هو وقفة تأملية لمستقبل الامة، والعودة الى الجلوس على مائدة لواحدة لتقييم الاخطار المحدقة بهم ، ووضع الخطط اللآزمة لمواجهتها ، مهما كانت مصالحهم الآنية وتحالفاتهم المتناقضة ، وإعادة تفعيل هيكل وعمل النظام العربي الذي يتيح لهم الجلوس معا بشكل دوري، وعند الضرورة، وتفعيل ادوات العمل العربي المشترك لما فيه خير البلدان العربية والاسلامية جميعها ، ونسيان الخلافات التي لم تؤدي الا الى انهيار النظام الاقليمي العربي ، وتشتيت العمل العربي المشترك ، وفرقة العرب والمسلمين.

* مستشار سابق بوزارة الخارجية وموجه علاقات دولية بكلية الدفاع الوطني الملكية

مدار الساعة ـ