أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات وفيات جامعات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

زريقات تكتب: كورونا بين التباعد الاجتماعي «الجسدي» والتضامن الانساني

مدار الساعة,مقالات,كورونا,الأمم المتحدة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

* المحامية نسرين زريقات

منذ انتشار فيروس كورونا والعالم مجتمع على ضرورة القضاء على هذا الوباء ومنع تفشيه وكانت معظم الرسائل الاعلامية الرسمية للحكومة او لمؤسسات المجتمع المدني تشجع وتهيب بالجميع بضرورة الالتزام بالمنزل والتباعد الاجتماعي ، كما ان معظم الاجراءات والخطط الحكومية لمنع تفشي هذا الوباء كانت ترتكز على خطط واجراءات تسعى من خلالها على منع الاختلاط والالتزام بالمنزل وضرورة التباعد "الجسدي" كنمط اجتماعي جديد من اجل او خوفا من العدوى وكاستجابة صحيحة لمكافحة تفشي الوباء.

وللحقيقة قد يبدو هذا التباعد الاجتماعي ممارسة جديدة فضلى باعتبارها فرصة للنجاة اذا كنا ناقلين محتملين للغير وامام بعض الدراسات الاجتماعية ايضا والتي اايدت هذا التباعد باعتباره فرصة للتفرد بالذات ومنحها قسطا من الراحة، هذا وقد وجدنا انفسنا مرغمين على التباعد الاجتماعي بالرغم من انها ليست من العادات المعتادة في مجتمعنا العربي وذلك بالحفاظ على مسافة جسدية اكثر من المعتاد بيننا وبين الاخرين لاننا - بالاجمال- معتادين على التقارب الاجتماعي الجسدي بشكل كبير وخير مثال على ذلك ان الكثير منا لم يعي ولم يأخذ بعين الاعتبار الخطورة التي قد تنتج عن عدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي في نقل هذا الوباء وضرورة الاخذ باجراءات الوقاية الصحية وعدم الاختلاط .

وقد شهدنا مؤخرا ممارسات لخروقات عديدة تم رصدها تتنافى مع جوهر التباعد الاجتماعي كفرصة للنجاة من تفشي الوباء مما اثر سلبا على حربنا في مواجهة هذا الوباء ومما دعا الكثيرين ايضا للمطالبة باتخاذ اجراءات وعقوبات قانونية رادعة اتجاة المخالفين .

واليوم نعي جميعا انه وبالرغم من التقدم العلمي والتطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية وفي خضم حربنا غير التقليدية على هذا الوباء وجدنا انفسنا نقف عاجزين جميعنا بمواجهة مصير وخطرمشترك واحد،فقد اعجز هذا الوباء العلماء والمختبرات والمصانع النووية في كل العالم ، ولم يتم التوصل الى علاج ناجع اولقاح يمنع العدوى وكل ما يتحدث عنه العالم اليوم اجراءات في اطار الوقاية من تفشي الوباء ،ولكن ومن زاوية اخرى ارى ان ما نشهده اليوم من الدروس المستفادة من فكرة التباعد الاجتماعي التي ارغمنا على اتباعها ، اننا وجدنا انفسنا في خضمها اكثر قربا وتضامنا اجتماعيا بين بعضنا البعض فقد استعدنا تضامننا الانساني من جديد في اطار علاقاتنا سواءا بعائلاتنا او علاقاتنا بانفسنا او بالاخرين فقد اصبحنا اكثر تعاضدا واصبح لدينا فهم افضل لمفهوم العيش المشترك على كافة المستويات .

ومن جهة اخرى فقد احيا هذا الوباء من وجهة نظري المتواضعة مشروع الاعلان المقترح بشأن حقوق الشعوب والافراد في التضامن الدولي هذا الحق الذي أقرّ في القرار رقم 55 للجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يقوم على فكرة حقوق الانسان الجماعية وعلى اتحاد المصالح والغايات فيما بين بلدان العالم والتماسك الاجتماعي فيما بينها من أجل الحفاظ على استمرارية المجتمع الدولي، وتحقيق الأهداف الجماعية للبشربما يعزز السلم والأمن الدوليين وحقوق الإنسان ،واليوم ما احوجنا في وقتنا الحاضر لمثل هذا التضامن بين افراد الاسرة البشرية لمجابهة هذه االجائحة اوعدم تكرارها مستقبلا ومشروع الاعلان هذا بالتأكيد لن يأتي بالتزامات جديدة على الدول انما سيسعى لوفاء الدول بالتزاماتها القانونية بالعمل منفردة أو بصورة جماعية ليس فقط لمجابهة هذه الجائحة بل ايضا للقيام بمسؤلياتها اتجاه قضايا اخرى مثل قضايا اللاجئين والبيئة والأوبئة والأمراض والحروب والاتجار بالبشر وغيرها وبالتعاون مع الدول الأخرى لتحقيق مقاصد الأمم المتحدة. وسيضمن ارساء اطار معياري بشأن حقوق الانسان عند مواجهة خطر الاوبئة والامراض وحتى الكوارث الطبيعية وسيضمن وضع مبادىء توجيهية في بذل الجهود ولفائدة الشعوب و لتحسين قدرات الدول في التصدي لخطر الاوبئة والامراض ومنع انتشارها او تكرار حدوثها و في اوقات االكوارث، سواء كانت كوارث طبيعية اوناجمة عن الانشطة البشرية .

واليوم ايضا قد يبدو مبدأ التضامن الدولي كمبدأ من مبادىء حقوق الانسان اكثر قبولا وقد ايقنا اليوم وبعد جائحة كورونا ان تغييركبيراً في مسار المنظومة العالمية قد حدث لان الجائحة اجبرت المجتمع الدولي والافراد بما لا يدع مجالا للشك على التضامن حتى اننا بدأنا نسمع اصواتنا تدعولصياغة اتفاقية دولية تضمن الحماية من خطر الاوبئة والامراض لنحمي انفسنا من هذه الاوبئة ولنحمي حياة البشرية جمعاء من خطر الاصابة بها مستقبلا لان نظام العولمة السائد قبل جائحة كورونا والذي ادى بالطبع الى وحدة اقتصادية وتقنية للعالم لا انه لم يحقق التفاهم والتضامن بين الشعوب حول المصير المشترك الذي قد نواجهه اليوم بسبب هذه الجائحة .

وهذا ما اكده عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنس ادغار موران في حوار نشر على "لوبسيرفاتور" الفرنسية وذهب الى ان الجائحة ستعمل على اعادة النظر في كثير من التوجهات الليبرالية التي فرضها نظام العولمة قبل ان تظهر هذه الازمة الصحية التي تشهدها معظم البلدان لان العالم ادرك وحدة المصير المشترك وان البشرية بحسب موران عليها بعد هذه الجائحة ان تبحث عن مسار جديد بعيدا عن مذهب الليبرالية الجديد ة من اجل اتفاق سياسي اجتماعي وبيئي جديد.

وما سيضمن ذلك ايضا بالضرورة اعلانا يضمن التزام الاسرة البشرية بذلك في اعلان جديد لحقوق الافراد والبشرية بالتضامن الدولي وتأكيدا على حماية حقوقنا وخاصة الحق في الحياة والسلامة الجسدية والحق في الصحة والبيئة وغيرها من الحقوق التي ضمنتها المعايير والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

* خبير في مجال حقوق الانسان والعدالة الجنائية

مدار الساعة ـ