من المؤسف ألا تتحدث الجهات الرسمية عن ملف حساس جدا، على الصعيد المالي، وهو ملف يعرف عنه كثيرون، لكنهم يتجنبون مناقشته علانية
اكثر من ملياري دينار اردني، يتم تحويلها الى الخارج، وهذا هو الرقم الرسمي، لكن لا أحد يتحدث عن طبيعة الرقم، وكيف تم رصده، ولا عن دقة الرقم أساسا، خصوصا، ان غالبية العمال في الأردن، بلا تصاريح رسمية، ولا يقومون بالتحويل عبر محلات الصرافة او البنوك، الا ما ندر، وقد نشأت في الأردن شبكات مالية من جنسيات عربية مصرية وسورية وعراقية، تدير عالما ضخما من الأموال، مع هؤلاء العمال، الذين لا يمتلكون أي اقامات رسمية، لكنهم يواصلون التحويل لبلادهم بطرق بديلة، ولا أحد يعرف حصرا، حجم هذه الأموال التي يتم تهريبها او تحويلها بهذه الطريقة، وأثرها السلبي على الاقتصاد؟!
في الأردن شبكات شبه سرية، إذ يقوم آلاف العمال، مثلا، من منطقة ما، في مصر، على سبيل المثال، وليس التحديد، بمنح أموالهم الى شخص من جنسيتهم ومعروف لديهم في الأردن، تكون مهمته جمع المال، ومثله أعداد أخرى تعمل في هذا الملف، ويتم التنسيق مع طرف آخر في مصر، في تلك المنطقة التي ينتمي اليها العمال، وارسال أسماء المستفيدين، وعناوينهم، حيث تتولى مجموعة هناك، بتسليم المبالغ المالية، نقدا الى العائلات او المستفيدين، مقابل عمولات معينة، يخسرها أساسا الاقتصاد الأردني
الأموال التي تتجمع بيد هؤلاء السماسرة، يتم نقلها بطرق مختلفة، عبر مقايضات على صلة بشركات مصرية، او شركات أخرى، تستورد مثلا من الصين، او دول أخرى، وبحيث يتم دفع المبالغ بطرق بديلة عبر مقايضات مع شركات اردنية، او أسماء اردنية تستلم هذه المبالغ، وتدفع ثمن مستوردات من دولة ما، ويتم شحن البضائع الى مصر، وهناك تفاصيل إضافية حول طرق التصرف بالمال المجموع من العمالة في الأردن، ولا تقف عند حدود هذه الطريقة، بل ان هذه مجرد وسيلة من عدة وسائل، يتم اللجوء اليها
هذا الامر، ليس المقصود به مصر، تحديدا، لكن الحديث عن مصر له علاقة بكون هناك عمالة كبيرة من الاشقاء المصريين، اغلبهم بلا تصاريح، وهذه الظاهرة تمتد الى أسواق أخرى مثل العراق، سورية، اليمن، ليبيا، وهذا يعني نشوء سوق سوداء للصرافة والتحويلات في الأردن، خصوصا، مع التقييدات التي على صلة بتفاصيل حساسة امنيا، في بعض الدول، مما أدى الى نشوء وسائل بديلة في الاتجاهين، من الأردن الى هذه الدول ومن هذه الدول الى الأردن، لكننا هنا، لا نتحدث عن التقييدات ذات الدوافع الأمنية، ذات الصلة باحتمالات تمويل الإرهاب او الفوضى، ونتحدث حصرا عن جانبين، أولا العمالة غير المرخصة واضطرارها للتحويل عبر سوق سوداء، وثانيهما اضطرار اطراف ليست على صلة بالتفاصيل الحساسة، في بعض الدول، الى اللجوء الى وسائل بديلة، بعد منع التحويل، او استقبال الحوالات حصرا، خصوصا، من الدول التي تغرق في الفوضى
لابد هنا من تدخل رسمي، لحل هذه المشكلة الكبيرة، أولا عبر إيجاد تكييف قانوني يسمح للعمالة غير المرخصة بتحويل المال، عبر القنوات المرخصة الخاضعة للمراقبة، بدلا من اللجوء الى وسائل بديلة لا يراقبها احد، وقد تؤدي لاحقا، الى حدوث كارثة اختفاء حوالات عبر سماسرة بمبالغ مالية كبيرة جدا، إضافة الى إيجاد حل جذري لكل هذه الخروقات التي تؤدي الى مرور مئات الملايين، عبر نوافذ باتت تشكل سوقا موازية، لها اخطارها على الامن الاقتصادي، من جهة، فوق انه يعبر عن فشل كل المعالجات إزاء هذه المشكلة، ثم ضرورة انهاء ظاهرة العمالة المخالفة، نظرا لكلفتها الكبيرة
في هذا الملف خبراء، يمكنهم الحديث عنه بالتفصيل، فقد بات لدينا عالم مالي في الظلال، لا يجوز ان يستمر هكذا، هذا فوق ان العامل غير المرخص، بات يلجأ الى وسائل مثل تجميع المبالغ، كل فترة، ونقلها عبر عامل مرخص آخر، عند سفره الى بلاده، وهكذا مبلغ يكون قليلا، لكنه في كل الأحوال خارج المعاملات الرسمية، ويؤثر على الاقتصاد، وقطاع الصرافة، ويدفع الى نشوء عالم سري للمال في الأردن، وهو ملف بحاجة الى حلول جذرية.
الغد