لكن بعد ايام قلائل تجرى الانتخابات الاسرائيلية وتحديدا يوم 17 ايلول ، وهي انتخابات معادة بعد فشل نتنياهو بتشكيل حكومة بعد فوزه الباهت بشق الانفس بانتخابات 9 نيسان الماضي ، وهو حدث سياسي يجري للمرة الاولى منذ قيام دولة الاحتلال ، بان تعاد الانتخابات خلال عدة اشهر فقط ، وذلك بسبب تشبث نتنياهو بسدة الحكم رغم ما يعصف به من ملفات فساد .
هذه المرة تبدو الصورة مختلفة تماما ، فقد تعهد رئيس دولة الكيان مؤخرا انه لن يقود البلاد الى انتخابات ثالثة ، اذا فاز نتنياهو وفشل ايضا بتشكيل ائتلاف ، وهذه المرة تختلف ايضا لان الاعلام الاسرائيلي الحر يصر بقوة على اسقاط نتنياهو بسبب فساده ، فلا تكاد تخلو وسيلة اعلام عبرية ، سواء كانت صحيفة ام موقع الكتروني ام تلفزيون واذاعة من الحديث يوميا عن قضاياه ، والكشف عن تفاصيل جديدة وتسريبات من التحقيقات في ملفات نتنياهو الاربعة ، بما فيها هيئة البث الرسمية الاسرائيلية - اذاعات وتلفزيون وانترنت - المسماة " كان" ، وهي الممولة من خزينة الدولة .
اخر استطلاعات الراي الاسرائيلية تشير الى تساوي الليكود بزعامة نتنياهو مع قائمة "ازرق ابيض" بزعامة بيني غانتس، ويائير لابيد ب 32 مقعدا ، والى تفوق بسيط لكتلة اليمين ب( 56 – 60 مقعدا ) من اصل 120 مقعدا في الكنيست، بدون حزب لبيرمان ، اسرائيل بيتنا ، وكتلة الوسط – اليسار تحظى اليوم ب 54 مقعدا، مع دعم العرب، وتشير اخر التقديرات الى ان الحكومة الاسرائيلية المقبلة ربما ستكون حكومة وحدة وطنية علمانية تتكون من الليكود ( بدون نتنياهو على الاغلب ، وهو شرط غانتس وليبرمان)، و"ازرق ابيض" و"اسرائيل بيتنا" .
لكن نتنياهو الثعلب ،وبكل ما اوتي من نفوذ ودهاء ، يسعى للفوز مجددا ،وذلك من خلال تجنيد علاقاته مع الرئيس الاميركي ترامب من خلال الحصول على رسالة ضمانات حماية عسكرية ، ومع الرئيس الروسي بوتين ، وهنا لا بد من الاشارة الى ان يعكوف كاتس ، رئيس التحرير المسؤول في صحيفة جيروزاليم بوست الاسرائيلية ، الوازنة وذائعة الصيت ، خصوصا في الولايات المتحدة الاميركية كونها تصدر بالانجليزية ، نشر مقالا تحليليا يوم 4 ايلول الماضي دعا فيه كل من الرئيسين ترامب وبوتين الى عدم التدخل في الانتخابات الاسرائيلية لصالح نتنياهو .
داخليا ، يضع نتنياهو نصب اعينه ان يحصل الليكود على 40 مقعدا على الاقل ، حتى يتمكن من تشكيل ائتلاف مريح مع شركائه الطبيعيين : المتدينين واليمين المتشدد ، لكن دون ابتزاز ، فقد استطاع نتنياهو دمج حزب موشيه كاحلون "كلانو – جميعنا" مع الليكود ، قبل عدة اشهر، واقنع مؤخرا موشيه فيغلين ،زعيم حزب زيهوت – هوية ،الذي يرفع شعار وضع حجر الاساس للهيكل المزعوم مكان المسجد الاقصى ، اقنعه بالاندماج مع الليكود ايضا مقابل منحه حقيبة وزارية حتى لا تضيع على الليكود اصوات 80 الف ناخب يؤيدون فيغلين ، ذهبت المرة الماضية الى سلات القمامة بعد فشل حزب فيغلين بتخطي عتبة الحسم .
ويتبع نتنياهو تكتيك اثارة الرعب في قلوب الليكوديين واليمين بايهامهم ان الوضع الحالي خطير، ولا يطمئن وسيخسر اليمين السلطة لصالح اليسار اذا ما شارك اعضاء الهيئة العامة للحزب ،والذين يصل تعدادهم الى 160 الف في الحملة الانتخابية بكل قوتهم.
وتعتبر منصات الفيسبوك وتويتر واليوتيوب من الادوات المهمة التي يجندها نتنياهو وحزبه ومعظم الاحزاب الاسرائيلية في الحملات الانتخابية ، اذ سيشارك في الانتخابات المقبلة 32 قائمة حزبية ، لن تتخطى عتبة الحسم منها سوى 10 قوائم تقريبا ، وتركز حملاتها الانتخابية على قضايا الفساد والعدالة الاجتماعية ، والصحة والتعليم ، مع قليل من الحديث عن حل سياسي مع الفلسطينيين وحل الدولتين .
ومن تكتيكات نتنياهو التي يعتمد عليها اليوم ايضا ، واثبتت نجاحها في انتخابات نيسان الماضي ، تكتيك "الفزعة" قبل ست ساعات من اغلاق صناديق الاقتراع ،فكانت النتيجة ان حصل الليكود على 35 مقعدا بعد ان كانت الاستطلاعات تعطيه ما بين 28- 30 مقعدا فقط ، واليوم يحاول نتنياهو ايضا تمرير "قانون الكاميرات" لمراقبة الصناديق تمهيدا منه للطعن بنتيجة الانتخابات المقبلة اذا خسر بادعاء انه جرى تزويرها خصوصا من قبل العرب .
عموما ، يبقى التكهن بنتيجة الانتخابات الاسرائيلية غاية في الصعوبة ، فهي مثل مباريات دوري (NBA) لكرة السلة الاميركية التي تحسم في اخر ثواني ،خصوصا وان مفاجأت منطقة الشرق الاوسط كثيرة ، واللاعبين فيها كثر ، اذ يسعى الكل لاقتناص الفرصة ، وتحقيق المكاسب في الاوقات الساخنة ، ننتظر الايام المقبلة لنرى هل سينجو الفرعون نتنياهو ، ويبقى جاثما على قلوب الكثير من الاسرائيليين الذين ملوه وملوا ألاعيبه وفساده ونفوذه وسطوته مع زوجته سارة ؟ ام حانت نهاية الملك بيبي ؟
* الكاتب باحث وخبير بالشؤون والصحافة الاسرائيلية