مدار الساعة - في السابق، قيل إنّ الأردنيين يرفضون العمل في مهن كثيرة بسبب "ثقافة العيب". لكنّ ذلك، على الأقل في ظل الوضع الاقتصادي الراهن في الأردن، أمر غير دقيق، إذ إنّ الشباب يسعون إلى البحث عن أيّ فرصة عمل.
لم تعد "ثقافة العيب" تقف عائقاً أمام الشباب الأردني، على خلفية الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعرفها البلاد. وفي حين أنّ الأمر يُعَدّ حجّة يتذرع بها بعض أصحاب الأعمال والحكومة أحياناً، غير أنّها تختفي كلياً في حال توفّر راتب ثابت واستفادة من الضمان الاجتماعي وتأمين صحي وبيئة عمل مناسبة وبالتالي استقرار وظيفي. وما يؤكّد انتهاء مفهوم "ثقافة العيب" هو الأرقام الصادرة عن أمانة عمّان الكبرى. فقد وصل عدد طلبات الراغبين في الحصول على وظيفة عامل نظافة إلى أكثر من 17 ألف طلب توظيف في العاصمة عمّان فقط. وثمّة مئات الطلبات في مختلف البلديات كالزرقاء وإربد والكرك ومعان والطفيلة والسلط والرمثا، فيما تتجاوز نسبة العمالة الأردنية في هذا المجال 90 في المائة في مختلف البلديات.
محمد علي شاب يحمل شهادة بكالوريوس في الاقتصاد، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الحديث عن ثقافة العيب من قبل أصحاب الشركات وبعض المسؤولين الحكوميين غير دقيق، فالشاب الأردني يبحث عن أيّ عمل يوفّر له حياة كريمة، علماً أنّ كلّ راتب لا يكفي لتغطية الاحتياجات اليومية مرفوض". يضيف أنّه "في خلال السنوات الماضية، عملتُ بائعاً في أحد المحال، وفي بعض الأحيان عملتُ كمساعد لحرفيين، لكنّ دخلي لم يكن كافياً للمتطلبات اليومية. كذلك فإنّ ساعات العمل كانت طويلة والتعامل غير لائق، ومثل تلك الأعمال غير المنظمة هي من دون قيمة".
أمّا ميس عبد الله الحاصلة على شهادة بكالوريوس في نظم المعلومات الإدارية، فتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "القضية ليست مسألة ثقافة عيب، بل الحصول على عمل كريم يتناسب مع مؤهلات الشباب العلمية". بالنسبة إليها، فإنّ "الحكومة لا تقوم بواجبها لتوفير فرص عمل يحتاجها المجتمع".
في السياق، يقول رئيس مؤسسة بيت العمّال والأمين العام لوزارة العمل سابقاً، المحامي حماده أبو نجمة، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا أساس لمصطلح ثقافة العيب في الأردن ولا في أيّ بلد آخر، إذ إنّه يعتمد على فرضية أنّ ثمّة أشخاصا يخجلون من وظيفة معينة، بل هي ظروف العمل التي تبعد الشباب عن وظيفة أو أخرى وليس ثقافة العيب". ويقول إنّ "الإنسان أينما وُجد يبحث عن عمل لائق. والعمل اللائق له شروط، منها الحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه وحمايته القانونية، بالإضافة إلى مستوى أجور مقبول وظروف عمل ملائمة وساعات عمل غير طويلة وبيئة عمل مريحة. وعدم توفّر هذه الشروط يمنع البعض من الإقبال على بعض الأعمال". ويؤكد أنّ "ثقافة العيب غير موجودة، والدليل أنّ كثيرين هم الشباب الذين يلتحقون بأعمال كان يُظَنّ أنّ الشاب الأردني لن ينخرط فيها"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة قطاعات لا تجذب شباباً كثيرين مثل الزراعة، لأنّ العمل فيها مرهق وساعات العمل طويلة والأجور منخفضة فيما لا توفّر حماية كالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي. إلى جانب ذلك، فإنّ مثل هذا النوع من الأعمال يُعَدّ موسمياً".
وفي ما يتعلق بالعمالة الوافدة إلى الأردن، يوضح أبو نجمة أنّ "الأساس هو عدم رفضها إذ إنّ تلك العمالة موجودة في كل دول العالم"، مضيفاً أنّ "نحو مليون أردني يعملون في الخارج، وهذا أمر طبيعي". ويشير إلى أنّه "في الإمكان الاستعانة بالعمالة المحلية بدلاً من الوافدة في بعض الأعمال، مثل البيع، شريطة تحسين ظروف العمل عبر رفع الأجور". ويوضح أبو نجمة أنّ "العمالة الوافدة إلى الأردن بمعظمها ذات مستوى علمي متدنٍّ، وهي حرفية ومهنية"، مشدداً على أنّ "النظر إلى العمالة الوافدة يجب أن يكون من منطلق التنظيم". ويتابع أنّ "شبّاناً كثيرين من العاطلين عن العمل في الأردن هم من الحاصلين على شهادات جامعية، و80 في المائة من الشابات العاطلات عن العمل هنّ جامعيات كذلك. وهذا يعني أنّه لا يمكن استبدال العمالة الوافدة بهذه الفئة".
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، حسين الخزاعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مصطلح ثقافة العيب ظهر في ثمانينيات القرن الماضي في الأردن مع توفّر فرص عمل كثيرة. وكان كثير من الأردنيين يسافرون إلى الخارج، خصوصاً إلى دول الخليج، مستفيدين من الرواتب العالية هناك. بالتالي، حصل عزوف عن بعض الأعمال في ذلك الوقت". يضيف الخزاعي أنّ "الشباب الأردني اليوم يقدم على العمل في أيّ مجال من المجالات ولو بدخل قليل"، مشيراً إلى أنّ "الحديث عن "ثقافة العيب يأتي لتبرير عدم القدرة على توفير فرص عمل، بالإضافة إلى تدنّي الدخل، علماً أنّ الحدّ الأدنى للأجور البالغ 310 دولارات أميركية لا يكفي لتوفير بدلات المواصلات وبعض الاحتياجات البسيطة للعامل".
ويتابع الخزاعي أنّ "الحديث عن ثقافة العيب ما هو إلا محاولة لتبرير فشل الحكومات. بحسب الإحصاءات الرسمية، فإنّ 25 في المائة من الشباب الأردني العامل يقلّ دخله عن 420 دولاراً، وهذا هو السبب الحقيقي لعزوف بعض الشباب عن بعض الأعمال"، لافتاً إلى أنّ "العاملين كسائقي سيارات أجرة لدى شركات مثل "كريم" و"أوبر" هم من الشباب الجامعيين". ويكمل أنّ "إحدى الدوائر الرسمية أعلنت قبل فترة عن أربع وظائف لسائقين في إحدى المحافظات، وقد تقدّم لتلك الوظيفة أكثر من ألف شخص" مؤكداً أنّه "في حال أعلنت الحكومة اليوم عن مائة وظيفة براتب 250 ديناراً أردنياً (350 دولاراً شهرياً)، سوف نجد آلافاً من الأردنيين يتقدّمون لتلك الوظائف".
تجدر الإشارة إلى أنّ نسبة البطالة بين الأردنيين هي 19 في المائة، في وقت بلغ عدد طلبات التوظيف على الكشف التنافسي للعام الجاري المقدّم إلى ديوان الخدمة المدنية، الجهة الحكومية المسؤولة عن التوظيف، نحو 390 ألف طلب. إلى جانب ذلك، ثمّة أكثر من 300 ألف طالب يتابعون دراستهم الجامعية في الأردن اليوم. العربي الجديد