عمان بالكاد استيقظت من النوم، عجوز يقرأ صحيفة يومية، لكنها صفحة الوفيات، لا أدري ما المغزى، هل ما عاد يثق بالأخبار، أم أن صفحة الموتى أقرب إليه من الأحياء.
السواح يملأون الشوارع، في الأثناء عامل وطن، يقف أمام مطعم فؤاد للفلافل، وفي جيبه رغيف خبز، لم أقرأ من هذا المشهد سوى الفقر والأنفة، لقد شعرتُ ان هذا العامل أكثر حرية من أصحاب الأموال، لقد حاورته قليلاً وتعلمتُ منه الكثير، وعلى رأي المنفلوطي، كم من فقير اليد كان غني الرأس، وكم من غني اليد كان فقير الرأس.
ليس بعيداً في شارع الأمير محمد مؤيد مشعل يجهز العطور فالناس عادة ما تستقبل العيد بالروائح الطيبة، محمد بازا يحلق لأبو سيف الفاعوري في صالون أبو بندلي، وسط مشادة ساخنة رفض فيها أبو سيف أن يحلق شاربه، قائلاً: هو يُزين وجهي ورمز عزتي، ولي فيه مآرب أخرى، فكثيراً ما استخدمه للحلفان.
ابو زهدي الجمل خياط بارع، لكنه عادة ما يحب قص الأكمام، قلت له نحتاج كثيرا لقص الأكمام هذه الأيام، في الأثناء بائع نصيب يدخن بشراهة وينادي (من يعلم ممكن تزبط معك واه لو لعبت يا زهر).
تجهيز مكثف للمعمول، لا أحد يشتري باكراً، حتى الذباب ما زال نائماً ولم يقترب منها، أصحاب المحال التجارية يقولون إن الحركة عادة تبدأ بعد الخامسة عصراً، فالناس أغلبها تصوم يوم عرفة، وتركن في بيوتها.
رمزي المصري يحمل كأساً من الشاي بالنعناع ويغني (ملعون ابوك يا فقر)، وبائع عصير الرمان، بالكاد يقوى على ضغط آلة العصر، فقد شعر أن حبات الرمان لم تعد على نسق واحد، حتى الرمان هذه الأيام يتمرد ويشعر بعدوى الفوضى، بينما رائحة القهوة تفوح من محمص أسفل مقهى الأوبروج، وتحاول عبثاً أن تعدل مزاج أبو محمد بائع الخواتم والأسوار.
لم يكن في الشارع شيء يثرثر أكثر من العجوز الأجنبية، سوى لعبة بلاستيكية لراقصة صغيرة، تدور على الأرصفة، وبالقرب منها سيارة بلاستيكية مكتوب عليها (بوليس)، وأنا وحدي أرقب الشوارع بصمت، واستمع لنصيحة صديقي زياد الكاشف، وأحاول عبثاً أن أعرف كيف تمردت حبات الرمان، وما هي الأسباب التي جعلتها على غير نسقها المعتاد.