الكاتبة فلحة بريزات
احتضنتني وَضَّاحة المُحَيّا (بترا) قبل ربع قرن وأنا لم أتقن من خيوط الإعلام وفنونه حينها؛ إلا ما أودعوه لنا أساتذة كبار حين أقسموا في اليرموك اليمينا، بأن تحمل الكلمة الهم الوطني والقومي، وكان الوعد لهم بأن تبقى الحروف نظيفة تتنفس كرامة الوطن وعلياءه، بعيداً عن أهواء الساسة ومصالحهم، وحُسبان الخسارة وربحها.
تموطنت (بترا) منذ اشتداد عودها في تسعينيات القرن الفائت الطريق الممتد ما بين ميداني الرابع والثالث، حيث مر من بوابتها العالية صنّاع العلامة الفارقة الذين أمضوا تباشير الشباب وحكمة العمر في بلاط- صاحبة الجلالة- يصنعون الفرق في معادلة الإعلام الملتزم، لا تزحزهم تناقضات من ظفر بشرف اللحظة واللعنة عن قناعات بأن رسالة ( بترا) الوكالة كما (البترا) التاريخ والحضارة ستبقى راسخة تحملها الأجيال الواثقة بالمستقبل، يضيفون لها كل ما هو جديد لتبقى واقفة، ومتحركة في وجه محاولات تشويه الوجدان الأردني، وتجريده من هويته، وامتداده القومي الذي تجتهد الأنفس اللعينة في طي معالمه.
تطل "بترا" اليوم على ميدان جمال عبدالناصر في تحالف نزيه بأن اصبعها لن يُبتر في زمن أيادي الفساد، ولن تنحني لها قامة في زمن الخنوع والخضوع، ولن تخلع ثوبها الناضج الطافح عزة وكبرياء في زمن التعري من شرف المهنة وتجارتها الرائجة، وستبقى سيدة الموقف في زمن التسّيد الرقمي على التقليدي، والطوارئ على الثوابت.
"بترا" المعطاءة بتطرف ترقب انتظاراً بلا يأس حتى يكون يوبيلها الذهبي بداية جادة للرسمي في دعم أيقونة الإعلام الوطني، وإزاحة كل ما من شأنه أن يقف في طريق تطورها مهنيا وتقنيا .
لم تحظ صاحبة البصيرة النافذة بإطلالة أي من رؤساء الحكومات منذ عهد الرئيس نادر الذهبي ، ولعل السبب يكمن في دواخلهم لا في دواخلها؛ إلا أن هناك بارقة خبر رغم تكتم غيرمجدٍ في مؤسسة إعلامية تتحدث عن تهنئة لرئيس الحكومة لأسرتها (مصابحة) في عيدها الذهبي يوم بعد غد.
وللتوقيت دلالاته، فالزيارة التي طال ترقبها إن صدق تسلل المعلومات ، قد تُنفذ بغياب جُل أبنائها في موقع الاحتفال الرسمي في المركز الثقافي الملكي، وتندرج في إطارتكتيك يتقنه رئيس الحكومة لاحتواء أزمة تتفاعل في أروقة" بترا" جراء التطاول على مهنيتها من قبل أحد أعضاء مجلس إدارتها الذي تشكل بقرار رسمي مؤخرا.
ومع ذلك فالزيارة مُقدرة أيا كان هدفها، وحتى لا تبقى في إطارها المضغوط، وعلى وعد الحضور في مرات قادمة، ولإماتة الفجوة بين الوعود والالتزمات؛ فالتمني بأن تمنح وكالة الأنباء الأردنية شرف توجيب الزائرين، وأن يملك الرئيس وصحبه ترف الوقت ليقفوا على سيرة نصف قرن من الإنجازات، وماهية التحديات التي تحاول الوزيرة جمانة غنيمات معالجتها فتتعثر بعقلية لا ترى في بترا صحافة ولا كفاءات، في انسياق تام وذهنية "عازفة" لا تسمع إلا صوتها، وضجيجه على حوائط مدهونة للتو في استقبال الرزاز.
ستبقى "بترا " قوية تعمل في إطار إيديولوجيا وطنية تؤمن بها، وتعمل على ترسيخ هويتها ومبادئ عملها وسط شارع مكتظ بالأزمات من دون ان تغفل عينها عن أبنائها سواء إولئك الذين قَضَوا نَحَبهم أو من يَنتَظِر وَمَا بدَّلوا تبدِيلا، ملتزمة بخط المهنة وشرفها إلى جانب رفيقاتها في الدرب .