منذ بداية الخلق، وبعد أن هبط سيدنا آدم وزوجه ومعهما إبليس على الأرض وتزوج آدم زوجه بأمر الله ورزقهما الله الذكور والإناث، وحتى يتكاثر بنو آدم كان مسموحاً أن يتزوج الأخ أخته. وعندما اختلف الأخوان قابيل وهابيل على من سيحظى بالأخت الأجمل للزواج منها (من هنا بدأت الأنانية والتركيز على المصلحة الشخصية). وعندما كان الحكم من قبل آدم وزوجه بينهما أن يُقَدِمَ كل واحد منهما قرباناً لله فمن يَتَقبل الله قربانه تكون الأخت الجميلة من نصيبه (من هنا بدأ التحكيم بين المختلفين من بني آدم). وكان قابيل مزارعاً وهابيل راعياً، فقدَّم هابيل أفضل ما عنده من رؤوس الماشية (الكرم)، وقدم قابيل أسوأ ما عنده من القمح (البخل)، فتقبل الله قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل لأن الله طيباً لا يقبل إلا طيباً. فعندها غضب قابيل وأقدم على قتل أخيه هابيل لتغليبه مصلحتة الشخصية على مصلحة أخيه العامه والتي قضى فيها رب العالمين.
والآيات التالية توضح القصة (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ، فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (المائدة: 27 - 30)).
فالسؤال الذي يتبادر للذهن هو: هل إذا كان أشخاصٌ منَّا لم يوفقوا في الحصول على وظائف معينة في مكانٍ ما؟! أو مناصبٍ معينة في الدولة؟! يحللون لأنفسهم القيام بأعمال أو أقوال أو أفعال أو نشر مقالات ... إلخ يشوهون بها سمعة المكان الذي لم يعينوا فيه أو سمعة الوطن بأجمعه؟!، بالطبع الجواب لا وقطعاً. ألا يخافون الله في مؤسساتنا الوطنية وفي دولتنا وشعبنا الأبي؟! ومن أجل مصالحهم الشخصية يطبقون القول المأثور: علينا وعلى أعدائنا معتبرين المسؤولين عن مؤسسات الدولة أعداء لهم/لهن؟!. ألا يؤمن هؤلاء الأشخاص بأن الرزق على الله وليس على العبد؟! (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (الذاريات: 22 و 23)). ألا يؤمن هؤلاء الأشخاص بقول الله تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (الإنسان: 30)). ألا يؤمنوا أيضاً بقول الله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (البقرة: 216)). في كثيرٍ من الأحيان يرغب شخص ما بشكل كبير في الحصول على شيءٍ ما ويأبى الله أن يعطيه ذلك الشيء، فيغضب ويحاول أن يتصرف تصرفات تؤذي نفسه وغيره ووطنه بدون وعي لأنه لا يعلم الغيب. وبعد ذلك يريه الله أنه لو حصل على ما كان يرغب فيه لكان قد لحق به الضرر الكبير فيقول في نفسه: الحمد لله أنني لم أحصل على ذلك الشيء في حينه، وذلك لأن الله دائماً وأبداً لا يريد إلا الخير لعبده ولكن العبد متعجل وصبره قليل (خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (الأنبياء: 37)).
فننصح أولئك الأشخاص وأنفسنا قبلهم بالتأني والصبر وعدم التسرع في الحكم على الأمور من زاوية المصلحة الشخصية فقط. فَلْنُغَلِبَ المصلحة العامة مصلحة الوطن والشعب الأردني ككل على مصالحنا الشخصية لأن في ذلك تكون مصالحنا الشخصية جميعاً. فالأردن لنا جميعاً ولنحافظ عليه بالمهج والأرواح وبكل ما نملك.
* كلية تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب، جامعة اليرموك