أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الطورة يكتب: على هامش قرارات الكويت وقطر.. جامعاتنا بحاجة الى إعادة نظر!

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

لمؤسسات التعليم العالي أدوار رئيسة في الحياة العامة العلمية منها والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ،لأن وظيفة التعليم الجامعي وظيفة مركبة تشمل التعليم والبحث العلمي وخدمة وتنمية المجتمع . فدور الجامعة لايقتصر فقط على تخريج كم هائل من الطلبة ، وانما الأهم من ذلك هو التركيز على نوعية الخريجين ومدى ارتباط تخصصاتهم بحاجات المجتمع القائمة والمنتظرة ، وهذا لايكون الا أذا أمتلك الخريجون المهارات والكفايات اللازمة لاحداث التغييرات الأيجابية في مجتمعاتهم ، وأحداث نقلات نوعية في أساليب الحياة وأنماط التفكير بشكل يؤدي الى مواكبة المستجدات والتغيرات السريعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا وتوظيفها في خدمة وتطوير وتحديث مجتمعاتهم . فالتعليم الجامعي هو صناعة المستقبل وكما يقال " اذا أردت ان تبني لسنة فابن مصنعا ، أما اذا اردت ان تبني لحياة فأبن جامعة، لأنها المكان الذي يجري فيه اعداد الموارد البشرية اللازمة للتنمية . فالتنمية والاستثمار الحقيقي هو في هذا الميدان أي ميدان الموارد البشرية والذي يعوّض النقص في الموارد الطبيعية ، والأمثلة على ذلك دول محدودة الموارد الطبيعية ان لم تكن نادرة اوشبه معدومة، كاليابان وسنغافورة مثلا ، لكنها عوّضت هذا النقص من خلال الاستثمار في الموارد البشرية تدريبا وتأهيلا ، بحيث استطاعت ان تنافس اقتصاديا أكثر الدول المتقدمة والغنية بالموارد الطبيعية كالولايات المتحدة وروسيا وغيرهما.

ولكي تستطيع الجامعة ــ بمهامها السالفة الذكر - تأدية دورها في عملية التطوير والتغيير والبناء الحضاري فلا بد لها من العمل في مناخ اجتماعي وسياسي واقتصادي تسوده حرية التفكير والتعبير والبحث ، لأن العلاقة مابين الجامعة ومجتمعها العام علاقة جدلية أي علاقة تأثر وتأثير، فكل طرف يؤثر ويتأثر بما يدور في الطرف الاخر ، لكن المطلوب من الجامعة ان يكون تأثيرها في المجتمع هو الابرز لكونها هي القائدة للتغيير الذي هو من صلب عملها في تنمية وتطوير المجتمع ، وتغيير كثير من العادات والقيم وانماط السلوك السلبية .

ان كثيرا من جامعاتنا الرسمية والخاصة تشكو للأسف من أزمات حقيقية ، فبدلا من أن تكون مؤثرة في مجتمعها وقائدة للتغيير والتحديث فيها أصبحت تابعة لاقائدة ، ولذا نشاهد ظواهر اجتماعية ثقافية سلبية تسود هذه الجامعات تتمثل في انتشار وتكريس قيم متخلفة وبالية كالجهوية والاقليمية والطائفية والعشائرية وغيرها ليس بين الطلبة فقط ولكن للأسف بين الاساتذة الذين نراهن على أنهم قادة التنوير والتغيير في مجتمعاتهم وأمثلة ذلك ما شاهدناه في جامعاتنا من أحداث عنف طلابي طابعها جهوي وعشائري، وكذلك مانشاهده من احتجاجات عائلية عندما يتعرض احد الأشخاص للاعتقال على خلفية تهريب مخدرات او أختلاس اموال او حتى احالة على التقاعد . فبدلا من الوقوف بحزم ضد ظواهر الفساد أنى كان مقترفها نرى العكس اذ نلعن الفساد والفاسدين ونطالب بمحاسبتهم واجتثاثهم شريطة ان لايطبق هذا على أحد من أفراد عائلاتنا حتى لو كانت البينات ضده واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار . والملفت للنظر ان هذه الظواهر السلبية تتجسد في سلوك مواطنين أمضوا جزءا كبيرا من حياتهم داخل مؤسسات التعليم بمستوياتها المختلفة لكن نظامنا التربوي ــ على مايبدو ــ لم ينجح في اعدادهم اعدادا مسلكيا خال من تلك السلبيات وكأن كل ماتعلمه المواطن في هذه المعاهد ليس اكثر من مجموعة من المعلومات تم حفظها لغايات تقديم الامتحان والنجاح للحصول على الشهادة ثم نسيها دون ان تترك أية آثار ايجابية على سلوكه واتجاهاته .

ان الوضعية التي تعيشها مجتمعاتنا بحاجة الى جهود استثنائية لمواكبة التغيرات العلمية والاقتصادية التي يشهدها عصرنا الحاضر ، والأمل معقود على مؤسسات التعليم العالي في تجسير الفجوة الكبيرة بيننا وبين العالم المتقدم بأقل وقت ممكن وبما يشبه حرق المراحل ، اذ ليس من الممكن أن نبدا من حيث بدأ الآخرون لأن هذا لن يساعدنا على اللحاق بركب الامم المتقدمة التي قطعت أشواطا هائلة وأصبحت المسافة بيننا وبينها لاتقاس يالسنوات وانما بالقرون ، ولذا فأن المطلوب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون ونواكب مايجري في هذا العالم متمثلين بأحسن مافي تراثنا من قيم شجعت قديما وما زالت صالحة لتشجيع وتحفيز العمل والابتكار. فتراثنا مليء بالمحفزات العقلية والنقلية التي تساعد على بناء منظومة علمية وفكرية وقيمية تجعلنا نعيش عصرنا بكل ما فيه من منجزات بوئام وانسجام نفسي خال من الاحساس بالنقص والدونية والاغتراب . ولكن هذا يتطلب تعليما في كافة المراحل من نوع جديد ، وأساليب تعليم جديدة . اذ لم تعد التربية كما هو سائد حاليا عملية تلقين و حشو للذهن بكم هائل من المعلومات التي لاتخدم الانسان في حياته العملية . فقد انتهى زمن الافراد الحفظة ودوائر المعارف المتنقلة ،لأن الوسائل التكنولوجية الحديثة وفرت الوسائل التي تحفظ فيها المعلومات وتسترجع بيسر وسهولة . كما أن التربية الحديثة أصبحت تركز على تعليم التفكير والابداع والتفكير الناقد وامتلاك المهارات اللازمة لمجالات العمل الحياتية ، لأن المهارات على العكس من المعلومات من الصعوبة نسيانها فتعليم المتعلم كيف يفكر وكيف يبحث وكيف يصل الى المعلومة أهم من تحفيظه كما من المعلومات التي سريعا ماتنسى وبخاصة اذا لم تكن مرتبطة بمشاغله وحياته اليومية.

ان معظم جامعاتنا ومعاهدنا التعليمية العالية العامة منها والخاصة لم تنشأ على أسس علمية تاخذ في الأعتبار حاجات المجتمع الحاضرة والقادمة ، ولاعلى أساس أختيار المواقع المناسبة لها ، وانما تم أنشأ الحكومية منها نتيجة للضغوط الاجتماعية وكترضيات . أما الجامعات الخاصة فقد انشات على أسس ربحية في الدرجة الاولى، وتم تقديم التسهيلات اليها من خلال تخفيض معدلات القبول والسماح لها بتدريس تخصصات لاحاجة للسوق اليها ، مما ساعد على زيادة اعداد العاطلين عن العمل ، ناهيك عن تدني مستوى كثير من خريجيها ، ورغم ذلك يحصلون على تقادير عالية عند التخرج تفوق معدلات الطلبة الدارسين في الجامعات الرسمية التي لاتقبل الا المعدلات العالية ، مما ادى الى زيادة حظوظ خريجي الجامعات الخاصة في اشغال المواقع الفنية والادارية مع ان مستويات الكثيرين منهم ضعيفة ، وكانت النتيجة مانحن فيه من مشكلات اقتصادية وتعليمية وادارية.

اننا بحاجة الى جامعات تعمل بجد ومثابرة على القيام بوظائفها الثلاثة ، من تعليم وبحث علمي وخدمة وتنمية للمجتمع بنفس السوية ، وأن يكون التعليم فيها مرتبطا بحاجات المجتمع ومشاغله ومشاكله الجوهرية . ولكن هذا يتطلب ارادة سياسية جادة توفر كل المتطلبات اللازمة للنهوض بالتعليم الجامعي من امكانيات مادية ، وكوادر بشرية مؤهلة ، وتشريعات حديثة تمكّن الجامعة من القيام بالمهام المطلوبة منها . نحن بأمس الحاجة الى الاقلال من التنظير والكلام المفارق للواقع والاكثار من العمل الجاد للسير في معارج التقدم والتطور. اما اذا بقي الحال على ماهو عليه ، فسنبقى نراوح في مكاننا ، منطبقا علينا قول المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله " تكثر الثرثرة كلما قل النشاط والحركة"!

مدار الساعة ـ