أنعم الله علينا العام الماضي وبداية هذا العام بموسم مطري مميز، تدفق فيه المياه بكل مكان، وجرت السيول، وابتلت عروق الأودية وفاضت الشوارع، وطافت السدود واضطررنا الى فتحها أكثر من ثلاث مرات وهدر الماء في الأودية لوصول الطاقة الاستيعابية إلى حدّها الأقصى.. وبعد أقل من شهرين من هذه النعم الربانية الكبيرة.. صرخ المواطنون من العطش!!.
بالمناسبة، لو نزلت كمية الأمطار التي خصنا الله بها، على أي دولة «معدّلة» لكفتها سقاية وزراعة وشرباً عشر سنوات على الأقل ولاخضرت الأرض ولارتوت الناس، لكن شيء لنا أن يأتي دليل جديد على الفشل بإدارة شؤون الناس البسيطة، كنا نشكو من قلة المياه، ففتح الله أبواب السماء وقال لنا تدبّروا.. لكننا نصر على اجترار الفشل في كل اختبار حقيقي، فإدارة الموارد المائية لا تقل سوءاً وضياعاً وفساداً عن إدارة الموارد المالية.. كل ما يأتينا من المال والماء يضيع ويتبخر قبل أن يصل حنفيات المواطنين او مداخليهم.. ومهما هطل علينا من منح أو قروض ميسرة نبقى نشكو الجفاف والعطش وتشقق الضمائر..
مليارات الأمتار المكعبة من مياه الأمطار نزلت في ستة شهور سمان، كانت الأفضل منذ سنوات طويلة، لو كان هناك إدارة حصيفة لاستغلت كل نقطة نزلت من خلال سدود جديدة وآبار تجميعية كبرى في المدن والقرى والمحافظات، واقتطاع مخصصات (...) وتجديد وتعزيز شبكات المياه للمواطنين في خطوة ضرورية كجزء من رد الجميل والضرائب التي يدفعها المواطن العطشان والعريان لكم... ولقد رأينا الاحتجاجات عشية العيد في الكرك والمفرق والزرقاء وكثير من مناطق المملكة التي تعاني العطش وغياب المياه منذ شهرين عن منازلهم بسبب سوء الادارة واهتراء الشبكة والفساد الصغير بين الموظفين..
يعني من غير المنطق أن نطلب من الله أن يغيثنا، ونطلب منه أن يرسل لنا ملائكة تقوم بتجديد شبكة توزيع المياه و"تمد مواسير»، وملائكة هي من تتولى توزيع المياه وفتح «الشبر».. هذا واجبنا نحن ومسؤوليتنا نحن ان فشلنا بها فلا نستحق الاستمرار بنفس مكان المسؤولية..فبدلاً من الحديث الخيالي عن النهضة ووزارة الاقتصاد الرقمي وتطوير القطاع العام.. وكل يوم «وانتو ناطين بوجوه الموظفين ع قصة المتسوّق الخفي».. اشبعوا الناس،خففوا عنهم معيشتهم، أرووا عطشهم.. حلوا مشاكلكم البسيطة ثم اشطحوا.. فكلامكم المعلوك بالتنظير لا يروي بل يثير الغثيان لأنه على معده فاضية..
لو كنت رئيساً للوزراء.. لجعلت الأردن كلها سجادة قمح.. وسدود ماء.. من يؤمن جرّة القمح وجرة الماء في بيته.. لن تكسر إرادته قوى الدنيا كلها..
الرأي