العقلانيه والجهل

خلق الله سيدنا آدم من أديم الأرض من تراب ومن ثم خلق زوجه من نفسه وبعد ذلك جعل ذريته من ماءٍ مهين (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِين، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (السجدة: 8 و 9)). ومن الطبيعي جداُ أن يخرج الإنسان من رحم أمه طفلاً ثم ينمو ويكبر حتى يصبح شاباً إن كتب الله له العمر ومن الطبيعي أيضاً أنه خلال فترة نموه يكون قد تعرض لوعكات صحية مختلفة وعالجه والديه وأصبح عندهم خبرة بما مر به من ظروف صحية وكيفية علاجه. وعندما يشتد عودة ويتقدم في السن يصبح عنده خبرة بما يضره وينفعه مما أعلمه به والديه ومما تعلمه بنفسه. ولكن تضعف قوى الإنسان وأعضاؤه كلما تقدم في السن ويهزل، وهكذا سنة الله في خلقه كما قال الله في كتابه العزيز (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (غافر: 67)). فتعطي هذه الآية وصف دقيق كيف خلق الله سيدنا آدم ومن ثم زوجه ومن ثم ذريته وكيف أن منهم من يتوفى قبل أن يبلغ شيخاً ومنهم من يصبح شيخاً وكل ذلك يكون وفق العمر الذي كتبه الله لكل إنسان منذ أن بلغ في رحم أمه وهو يتخلق من نطفة إلى علقة إلى مضغة مخلقة وغير مخلقة مائة وعشرون يوماً حتى يخرج طفلاً ... إلخ.

ومما تقدم نقول للناس أجمعين أن الأعمار كتبها الله للإنسان، فلا يستطيع أي إنسان أن يقول مثلاً: سوف أعمل صالحاً وأصلي وأصوم وأحج بيت الله وأذهب للصلاة في الجامع عندما أتقدم بالسن وأصبح شيخاً. فأقول لكل من يقول هذا الكلام هل تعلم ما كتب الله لك من عمر وهل تضمن أن تصبح شيخاً بعد أن تقرأ الأية السابقة رقم 67 من سورة غافر؟. أنا أجيب عنك: لا وبكل تأكيد. فعلى كل إنسان عندما يبلغ سن الرشد أن يطبق أوامر الله ويجتنب نواهيه ويعمل صالحاً حتى يضمن الدنيا والآخرة حتى لا يخسر آخرته. ولهذا السبب فالإنسان طبيب نفسه، كيف ذلك؟ من خبرته خلال فترة نموه يعلم ما يسبب له المشاكل الصحية ويبتعد عنه ويتجنبه ولا يجعل لنفسه الدنية تسيطر عليه وتجعله يفعل ما يضره لأن النفس هي عدو الإنسان وليس الشيطان وحده. فالشيطان يسيطر على الإنسان من خلال النفس (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق: 16)). وكذلك الإنسان يكون طبيب نفسه من حيث القيام بكل الأعمال التي ترضي ربه ويتجنب الأعمال التي نهاه الله عنها حتى يرتاح نفسياً ولا يتسبب بيده في تعبه وقلقه النفسي.

كل إنسان سوف يعود إلى الله (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (اللقرة: 281))، وسوف يبعث ويكون هناك حساب وثواب وعقاب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (الحج: 5)). فنسأل الله التوفيق للجميع ونكون أطباء أنفسنا من النواحي الصحية ومن النواحي النفسية وغيرها والعاقل لا يضر نفسه، والجاهل فقط عدوٌ نفسه فمن يدعي أنه عاقلاً وليس جاهلاً فليكسب خير الدنيا والأخرة.