**
لا تهمني هذه التفاسير العلمية، على العكس تماماً، أجدها تشوّه رومانسية القمر نفسه، هذا المخلوق الساكن منذ الأزل في قصائد الشعراء، قنديل العشّاق، رفيق الحصّادين، برتقالة الساهرين، رغيف الجائعين.. لا أريدهم أن يفسّروه أو يدرسوا سطحه بالمجهر أو التلسكوب، لا أريدهم أن يلبسوه ثوب العمليات الجراحية، نريده بعيداً كما كنا نراه أطفالاً، غامضاً كما نعشه جهّالاً، يمشي معنا في طريقنا الطويل، يختبئ بين أغصان شجره، ويقسمه إلى نصفين جناح حمامة فوق قبة مسجد.. نريده أن يبكي مثلنا، ويضحك مثلنا، وينام مثلنا، ويغيب مثلنا.. نريده قائمقام الغيم، وبندول الليل الذي يتأرجح على وقع اهتزاز سرير رضيع..
لا أحبّ اكتشافات ناسا، ولا تقارير الفضاء، ادرسوا حال كل الكواكب واتركوا لنا قمرنا، اتركوه غامضاً كما كان، زرّاً لامعاً في معطف الليل الحالك.. اتركوه يرانا جميعاً ويضحك لنا جميعاً ويبكي علينا جميعا.
تقول ناسا.. إنه كلما اصطدم شهاب صغير في سطح القمر ذرف الأخير ماءه المخزن في مقلتي الرمل.. وأنا أرى أن وطني قمر أيضاً.. كلما اصطدم به شهاب المحن، شهاب الأحداث، شهاب «السمسرة».. ذرف قلبي عليه دمعاً من مقلتي الألم.. لست أملك قفازاً نارياً لأمنع الشهب عنك يا قمري.. لكني أملك عينين نضّاختين في الدمع... تطفئان كل «شهاب رصداً»..
الرأي