بقلم: حسن محمود الشقيرات
لم يكن أحدٌ يعلمُ سرَّ هذا التصرّف الغريب، وصاحبه لا يستطيع البوح بمكنوناته ، فهذا الصغير يهجر فراشه في حضن أمِّه ، ويتعلَّق بوالده مصرّاً على النوم بجانبه،حتى يد الأم التي لم يكن يغفو إلاّ إذا أحسّ بها تهدهده لم يطلبها في ذلك الليل،فقط، تعلَّق برقبة والده وهو يديم النظر إلى وجهه حتى أسلم للنوم عينيه، وفي الصباح استيقظ قبل الجميع، لا بل أنه استيقظ حتى قبل أن تشتد حلكة الظلام السابقة لبزوغ الفجر،لم يبكِ ولم يأت بحركة، بل بقي في فراشه، ينظر إلى وجه والده كأنما يقرأ الدنيا والحياة والوطن في دفتر هذا الوجه، ثمّ بعد قليل وقتٍ يستيقظُ الوالدان على صوت المؤذِّن ينادي :الله أكبر، الله أكبر. ووجد ذلك الوالد نفسه يردّد ما يقوله المؤذّن، وعند انتهاء النداء حوقل الرجل وهلّل وحمدل، ثم قال : الله أكبر فوق كيد المعتدي وبعد وضوء وصلاة، أسرعت سيدة البيت وأعدَّت لزوجها كوباً من الشاي وأحضرته له وبجانبه قطعة من اللبن (الجميد)، وأطلّ الرجلُ من النافذة فوجد خيوط النور قد بدأت تتسلل لتدحر ظلمة الليل.
ونظر إلى ساعة وضعت على منضدة صغيرة في ركنٍ من الغرفة فوجدها تشير إلى السادسة إلا ربعاً ثم عاد ونظر للخارج فكان الفجر يغزو الليل.
"وتنفّس الصبحُ المبشِّر شرُّه وتعملق القزم الحقير علانية"