مدار الساعة - بقلم: أ.د. أمين المشاقبة
استمعتُ لأغنية لبنانية وردتني عبر الواتس آب تقول كلماتها، "حضرتنا من الرأي العام، صوت اللي ما إلهم صوت كيف حالك والله تمام عايش من قلة الموت، حضرتنا من الرأي العام تشرفنا، حضرتنا الأكثرية 99% من 100 واحد، والواحد قاعد على الراس وقدام"، وأقول حضرتنا الأغلبية وصلنا 92% وحوالي 8% هم من يعيشون ويستمتعون بالحياة بطرائقهم الخاصة على حساب الأكثرية الصامتة، ويجلسون في المقدمة.
هذه الأغنية الشعبية تنطبق بشكلٍ أو بآخر على حالة الشعب الأردني حيث الضنك والمعاناة، وتدني المستوى المعيشي، وعدم كفاية الرواتب بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، هناك لدى الأردني معاناة من المتوسط العام للرواتب، هناك طلب هائل على السلع اليومية مما يؤدي لرفع أسعارها، هناك معاناة من رفع سقف الفوائد في البنوك دون رأي المقترض، هناك معاناة لدى الطبقة الفقيرة وهي بازدياد حيث أن معدلات الفقر باتت مرتفعة تتخطى 30% في بعض المحافظات، ناهيك عن ازدياد أعداد المتعطلين عن العمل من حملة الشهادات الذين وصل عددهم 388 ألف طلب..
إن الفقر والبطالة وجهان لعملة واحدة بسبب تدني النمو الاقتصادي، وازدياد أعداد السكان بسبب الهجرة القسرية، والأوضاع الإقليمية التي جعلت الأردن ملجأً لمن لا ملجأ له، ويرى كثيرون في بعض المحافظات أن اللاجئ السوري متوسط دخله ما يزيد عن 288 ديناراً غير المعونات العينية التي تقدمها المؤسسات الدولية، حيث يقارن المواطن الأردني نفسه باللاجئ السوري، وهذا بحد ذاته غير مريح للمواطن أن يشعر هذا الشعور وإلا لماذا هو مواطن؟! ويدفع ضريبة في عدة اتجاهات من أجل المواطنة، ولماذا يفكر 37% من الشباب الأردني بالهجرة خارج البلاد.
حالة من الإحباط النفسي يعيشها الفرد الأردني تظهر في كل مكان وإذا أراد الواحد منا أن يعرف ذلك لينظر إلى قصص وروايات وسائل التواصل الاجتماعي منها ما يبكي ومنها ما يحزن.
حالة القنوط من المستقبل أمر في غاية الخطورة مؤثر على حياة الأجيال، ونقول بدولة القانون والعدالة وينتظر المواطن بعضهم 16 عاماً أو 14 عاماً على الدور في ديوان الخدمة المدنية وأعرف أناساً تخطوا عمر 30 عاماً وهم ينتظرون، فلماذا لايؤخذ بأقدمية سنة التخرج على سبيل المثال، وعندما يرى هؤلاء الاستثناءات في التعيين كيف ينظرون للنزاهة؟!، حيث أن هناك أستاذة جامعيون ولهم خدمات طويلة ومن أحسن الجامعات رواتبهم لاتتعدى 1200-1500 ديناراً ويأتي شخص محظيّ ويعين فوراً بمبلغ 3000 ديناراً أردنياً ويُعاتب المواطن الأردني على نشره تسريبات هذا التعيين!!!، فماذا يقول الشباب الأردني الذي لايمتلك واسطة أو لديه محاسيب والذي لاظهر له، ونطالبه بالانتماء والولاء!!
إننا أمام معضلة أساسية تؤدي إلى تفاقم الجرائم الاجتماعية، إن العدل هو أساس الحكم وأهمية تعديل المسار وإعادة النظر بالوسائل لهو ضرورة واقعة، فلابد من تصحيح آليات التعيين وسلم الرواتب وإشعار هذا الجيل أن له وطن يقدره ويحترم كرامته، وعليه فإن معالجات الفقر بحاجة إلى إعادة نظر واجتراح آليات أفضل تريح العاجز، وتنفس عن المكلوم فالأسرة الفرد تتقاضى راتب 40-50 ديناراً شهرياً، فهل هذا في زمن الغلاء يكفي فرداً أو اثنين؟! والأسرة المكونة من 6 أفراد وأكثر تتقاضى 158 ديناراً، ومتوسط الفرد في الحاجات الأساسية يصل إلى 68 ديناراً أردنياً، فالأسرة الواحدة ذات المتوسط 5.8% كأفراد تحتاج إلى 394 ديناراً فقط للحاجات الأساسية ومعدل الحد الأدنى للأجور هو 220 ديناراً، وعليه فإن الأسرة في متوسطها تحتاج سنوياً 4728 ديناراً لتعيش عيشة الكفاف، من هنا نرى أن معالجات الفقر فيها اختلالات لابد من مراجعتها وتصحيح مساراتها، وبالعودة للأغنية في بداية المقال كيف حالك والله تمام عايش من قلة الموت، هذا غيضٌ من فيض في حالة حضرة الرأي العام حضرتنا الأكثرية.
ALMASHAQBEH-AMIN@HOTMAIL.COM