من الواضح أن سياسة الأمن الناعم المتبعة في بلدنا منذ سنوات, بالتزامن مع حرص بعض المسؤولين على الشعبوية من خلال إحجامهم عن اتخاذ قرارات حازمة في كثير من القضايا, بالإضافة إلى الغرف السوداء التي تنشط لإغراق بلدنا بموجات متلاحقة من الإشاعات بصورة منتظمة لا تخفى عن العين المتفحصة, كل هذا شجع على قيام حالة من الفوضى في بلدنا, مصحوبة بحالة من ادعاء البطولة الزائفة ما دامت لا تكلف مدعيها ثمناً لمواقفهم.
أول مؤشرات هذه الفوضى هي تراجع الخطاب السياسي الرزين المستند إلى فكر وتجربة سياسية, لحساب لغة سوقية صار المواطن يضيق ذرعاً بها, خاصة بعد أن ملئت هذه اللغة السوقية فضاء مواقع التواصل الاجتماعي, على شكل بيانات وتعليقات ورسائل جلها خال من الخطاب السياسي الرزين والمسؤول, بيانات ورسائل مترعة بلغة الشتائم والاتهامات المرسلة على عواهنها, حتى أصابت كل شيء وكل شخص في بلدنا, دون أن يقدم مطلقو هذه الاتهامات دليلاً واحداً على ما يزعمون, وقد زادهم غياً وظلالاً استغلالهم لروح التسامح التي تحكم بلدنا, والتي تشمل حتى من يخطىء بحقها, فتعطيه الفرصة تلو الأخرى حتى يعود للانخراط في مسيرة الوطن من جهة, ومن جهة أخرى أحساس هؤلاء بأن أحداً لا يتصدى لهم, مما شجعهم على التطاول حتى على رموز البلاد, فنسى هؤلاء أدب الخطاب مع الملوك فصارت بعض بياناتهم ورسائلهم أقرب ما تكون إلى رسائل التهديد ,وبيانات الانقلابات العسكرية, مما صار لابد معه من القول لهؤلاء كفى, فمن فوضكم بالحديث باسم الأردن والأردنيين, وما هي الصفة التمثيلية لكم حتى تسودوا هذه البيانات والرسائل باسمهم؟
أسئلة كثيرة تثيرها موجة البيانات والرسائل في بلدنا منها: ماهي إنجازات هؤلاء الموقعين على هذه الرسائل والبيانات في العمل الوطني العام؟ وما هي إنجازاتهم أبان توليهم لمناصبهم العامة في الدولة الأردنية؟ ففي المتداول من الأقوال أن ملفات الكثيرين منهم مترعة بالفساد المالي والأخلاقي, مما يستدعي من الجهات المختصة فتح ملفاتهم حماية للوطن والمواطن من مسلسل تشويه السمعة الذي يتولى كبره هؤلاء, الذين يريدون ببلدنا السوء من خلال الحديث الدائم عن الفساد ليختلط الحابل بالنابل فيتساوى الجميع معهم بفسادهم, دون أن ننكر أن في بلدنا فساد, فما من مجتمع بشري يخلو من الفساد, لكن الذي نعترض عليه هو تضخيم حجم الفساد في بلدنا, وتعميم تهمة الفساد بلا دليل, مما يستوجب تحرك النيابة العامة وأعتبار هذه البيانات إخبار لها مما يستوجب استدعاء كل من يطلق تهماً بالفساد لتقديم أدلته على ما يقول, فإن عجز تمت محاكمته بتهمة الذم والقدح وبنهمة الافتراء وبتهمة السعي إلى زعزعة أمن واستقرار البلاد.
تلك واحدة, أما الثانية فهي أن هؤلاء الذين يصمون آذان الأردنيين منذ سنوات طويلة بدعوات الإصلاح, هل غادروا مربع الشعارات العريضة والعائمة, إلى مربع تقديم برامج إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي وتعليمي تفصيلية, بعيداً عن الديباجات التي صارت ممجوجة عند الأردنيين حول قانون الأحزاب وقانون الانتخاب وغيرهما, وأين خطط هؤلاء لتثقيف الناس وإقناعهم بالانخراط بالعمل السياسي المنظم عبر الأحزاب وغيرها, أو إقناعهم بالاندفاع إلى صناديق الاقتراع؟ وأين هي خططهم للإصلاح الاقتصادي والسياسي, وماهي مصادر تمويل هذه الخطط, وهل يملك فرسان البيانات شيئاً من ذلك كله؟ أم أن المسألة كلها مجرد تسويد صفحات, لإثبات وجود ولفت نظر والقول: نحن هنا فلا تنسونا من عطاياكم, فلقد خبر الأردنيون هذا النمط من الناس الذين يغضبون عندما يخرجون من مناصبهم, حتى إذا عادوا إليها لحسوا تواقيعهم عن كل شيء. الرأي
Bilal.tall@yahoo.com