أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات رياضة أحزاب وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

«ضلّ راجل ولا ضلّ حيطة»

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

بقلم - لارا مصطفى صالح

كانت مثل غالبية الأمهات، تعتني بها صغيرة، فتسرح شعرها كل صباح، وترتب هندامها وتوصيها بأن تكون حسنة السلوك ومجتهدة. حتى عندما صارت يافعة، فقد ظلت تسرح شعرها وتتأكد من نظافة وأناقة هندامها، لكن، كما تتبدل الأحكام بتبدل الأزمان، كانت الوصايا تتبدل هي أيضا. كانت تتلو وصاياها عليها كل صباح كمن يتلو فاتحة الكتاب مرة واحدة بلا لعثمة: إياك يا ابنتي أن تكوني أَمة للحظ. أو أن يكون خيارك الشخصي في هذي الحياة الخوف وقبول الظلم. فإذا تجرأ أحدهم وقال لك (مشيها) وأن الحريّة والكرامة قد تأتيان مع الأيام، لا تصدقيه. ولا تسامحي من مزق أوصال روحك ولا تصالحي من أهان بشرا أمامك ولا تبتسمي في وجه ظالم أبدا ولو بشبهة مجاملة، ودافعي عن كل حق لك في للحياة. وصايا عظيمة بحق!

مر الزمن و"كبرت البنوت"، وأتى ذلك اليوم الذي ما رَبَأَت رَبْأَهُ في السابق، يوم زفافها! ودعتها بخيوط من دمع، وحسرة من أمل، وأمل من رجاء، وزينة من أوجاع الحياة، وفرح يتأوه؛ لا بالأنين، إنما برعد الروح! فرح؛ كلما نضج، ازداد إدراكا لألم الفراق. بكت حتى انسدلت دموعها على أبواب قلبها كخرق متهدلة: أوصيك ببيتك وبزوجك خيرا يا أميرتي، أما إن كشفت لك السنين عورة روحه وأظهرت ما فيها من قبح، اتركيه على الفور، و"خالتي وخالتك وتفرقوا الخالات" كما يقول أشقاؤنا المصريون! وصايا لا تقل عظمة عن سابقاتها.

عقدان ويزيد، كفيلة بأن تفقد الألوان بريقها. كسا الحياة لون داكن، حتى الغناء، كان يخرج من الحناجر مثل نواح يفتت القلوب. صمت أخرس أطبق على كل زاوية من زوايا البيت، حتى وهما في الفراش كانا يمارسان الرذيلة بصمت مطلق، إما لإنجاب أولادهما الأربعة وإما لإشباع غريزة، تماما كما الحيوانات. وفي معظم الأحيان كان السبب الحفاظ على شعرة معاوية التي لم تكن تصل بينهما إلا في تلك اللحظة. وأقول رذيلة لأنها بلا حب أو سكينة! حرب أعصاب لا هوادة فيها، حرب مع العُمر والمنطق والقلب والحلال والحرام والتقاليد وكلام الناس ومشاعر الأولاد، حرب امتدت أوزارها إلى الدين ورب الدين.

خيبات أشد مرارة من أن تصفها الكلمات يا أمي، سنفترق، فعلا كما قلت لي قبل عشرين سنة، "خالتي وخالتك وتفرقوا الخالات"، قالت.

لدعة حسرة علت وخفتت في رأس أمها فأصبحت حشرجات غصت بها حنجرتها فأفسدت ملامح الكلمات كلما أتت على النطق بها! "لكن، يا ابنتي، أنت في منتصف الأربعين! ماذا عن كلام الناس، وحياة الأولاد، والمستوى المادي العالي الذي اعتدتم عليه! أتضحين بكل هذا؟ ثم كما يقول أشقاؤنا المصريون "ضلّ راجل ولا ضلّ حيطة"!

غادرت منزل والدتها وسارت في طريقها إلى بيتها كمن يسير إلى نكبة مصيره. اتصلت بي وقالت:

أنهينا المكالمة وقد أقنعت نفسها بأن "خالتها وخالته لن تفترقان، فما جمعه الله لا يفرقه إنسان، وربما كانتا الآن في زيارة صباحية لإحدى الجارات"!

لأسباب أجهلها تصر الحياة على تزويدي بجرعات منتظمة من الكآبة ولأسباب لا أستطيع تفسيرها، لا أدري لِمَ لمْ تخبرها والدتها بأن الأشقاء المصريين قالوا أيضا "اللي انكسر عمره ما يتصلح"؟ وماذا لو كانت صديقتي قادرة على الحديث مع الله، هل كان سيجيبها "خالتي وخالتك وتفرقوا الخالات" أم "ضلّ راجل ولا ضلّ حيطة" ويشيح بوجهه عنها؟ أم أنه كان سيفتح أبواب سماواته لها ويقول "دعك منه ومن خالتك وخالته وتعالي معي إلى جنتي"!؟

مدار الساعة ـ