جواد العناني
أنا سعید بزیارة الدكتور عمر الرزاز إلى دافوس، حتى یطلع أولاً بأول على حقیقة الاوضاع في العالم. وللذین یعرفون دافوس أو لم یزوروها بقصد التزلج، فإنها قریة في جبال الألب السویسریة، ومشتى مشهور بریاضة التزلج. ولكن للمنبر الاقتصادي الدولي بقیادة كارل شواب وبدعم أمیركي مفتوح تحول إلى تجمع عالمي سنوي یؤمه أشخاص الحكومات والأعمال والمفكرون وقادة المنظمات الدولیة.
وفي اجتماعات هذا العام، شهد العالم ازدحاماً بالأخبار السیئة. فأثناء الاجتماعات حصلت محاولة انقلاب في فنزویلا، واعترفت الولایات المتحدة وعدد من دول أمیركا اللاتینیة برئیس البرلمان رئیساً شرعیاً. والرئیس المنتخب حدیثاً یطرد السفیر وأعضاء السفارة الأمیركیة ولكنهم یرفضون الانصیاع لأنه في رأیهم غیر شرعي. والبلاد صارت على حافة حرب أهلیة.
وكذلك سمع الحضور عن حالة الاقتصاد الدولي. وقد صرحت كریستین لاغارد أن معدلات النمو التي توقعها الصندوق للاقتصاد العالمي لن تتحقق، وخفض الصندوق توقعاته لمعدلات النمو خاصة وأن الصین شهدت أسوأ معدل نمو في الربع الأخیر وهذا لم یحصل منذ سنوات طویلة. والعالم العربي أعیدت تقدیرات نموه نحو الأقل.
وكأن هذه الأخبار لم تكن مزعجة بالقدر الكافي، وتصب في خانة التوقعات أن أزمة اقتصادیة عالمیة عام 2020 قد باتت اكثر احتمالاً، ولكن الاحصاءات تشیر إلى زیادة وضع توزیع الدخل والثروة سوءاً، وأن الاغنیاء یزدادون غنى، والفقراء یعانون من معدلات فقر أعلى. وهنالك على الأقل 1.1 ملیار نسمة ینامون جوعى ویعیشون في فقر مدقع. وأن هذه الأرقام مرشحة للزیادة.
وممثلو الهیئات الخیریة والمنظمات غیر الحكومیة الدولیة أعطتنا تقاریر مزعجة عن وضع الحریات العامة في العالم. وزیادة الاتجار بالمخدرات والرقیق الأبیض والأعضاء. ومشتریات السلاح في ارتفاع. وحدثونا عن الأوضاع المأساویة في الیمن والصومال وجنوب السودان، ونسوا غزة إلا قلیل منهم، وأما المدافعون عن البیئة، فقد أقلقوا راحتنا بتدهور البیئة والتغیر المناخي، وانتشار القحط والجفاف في مناطق واسعة، وتدهور أوضاع اللاجئین خاصة لاجئي الروهینغا.
وحدثونا عن ارتفاع نسبة المدیونیة، وزیادة الحمائیة، وتقلص المساعدات والتبرعات، وتركونا مثل الذي رأى ذات الخمار الأسود في حیرة لا تهتدي. ووصلتنا الأخبار بعد ذلك أن الرئیس الأمیركي دونالد ترامب الذي كان من المفروض أن یحضر دافوس، ولكنه غیّر رأیه بسبب تعطل دوائر كبیرة في الحكومة الأمیركیة، قد توصل إلى حل مؤقت مع الكونغرس الأمیركي. ولكن قد تعود له المشكلة إلى الواجهة مرة ثانیة یوم 2019/2/15 إذا لم یتوصل الفرقاء إلى حل مقبول لبناء الحائط أو زیادة الإجراءات الأمنیة على الحدود مع المكسیك.
لقد استمع الدكتور الرزاز وفریقه إلى كل هذه الأخبار والتحلیلات. ولكن السؤال یبقى، وما دخلنا نحن في الأردن؟ وحتى لو كان ”دخلنا“ فما هو حجم تأثیرنا على هذه الأوضاع المتراجعة في العالم؟
الحقیقة أن هذا لیس السؤال الصحیح. إن مناطق العالم التي تعتبر الآن ”مناطق آمنة“ قلیلة، والأردن واحد منها. وقد أصبحت هذه المیزة ضروریة. سویسرا استفادت من هذه المیزة في أوروبا خلال الحربین الأولى والثانیة. سنغافورة استفادت لما كانت الجزیرة الصغیرة الآمنة بجانب دول فیها مشكلات وحروب مثل اندونیسیا ومالیزیا والفلیبین. ولذلك، فتركیز الحملة لجذب الاستثمارات، وجعل الأردن اقتصاداً ذكیاً هي الآن. ونأمل أن تسیر الحكومة بهمة عالیة في ذلك الاتجاه.
أما حل مشكلة الحائط فقد وجد لها حل على ید أحد رجال الدین المسیحیین في فلسطین. الرئیس ترامب لا یستطیع تمویل الحائط مع المكسیك. فلیقم إذن بتفكیك الحائط العنصري في فلسطین الذي موله هو والكونغرس الأمیركي بصفته حائطا عنصریا ونقله إلى الولایات المتحدة، ووضعه على الحدود بینه وبین المكسیك. ألم یئن الأوان لهذا الرئیس أن یتعلم درساً من أن نقل السفارة والسیر في إجراءات عدوانیة ضد المسلمین والعرب والفلسطینیین لم یرض من یخلقون له المشاكل؟. وهم الآن یهیئون الأمور لعزله.