نستمع لبعض الفتاوى الصادرة عن بعض من صَدّر نفسه بنفسه ليكون مفتيا للناس، فنجدها أبعد ما تكون عن كلام العلم والعلماء ومناهجهم. وعندما تسأل هذا المفتي من أي المذاهب تفتي؟ يجيبك بعد أن يأخذ نفسا ينتفخ فيه: أنا لا أتبع المذاهب، أنا مذهبي الكتاب والسنة. وهنا يجوز لنا أن نسأل الإمام المفتي الهمام: وهل المذاهب يأخذون من خارج الكتاب والسنة؟ وهل حضرتك الكريمة تعرف الكتاب والسنة أكثر منهم؟
إنها كلمات حق يراد بها باطل، فمن الذي يختلف على أن الكتاب والسنة هما مرجعية كل مسلم، فضلا عن أصحاب المذاهب الأربعة الذي حفظوا الكتاب والسنة، وعملوا بهما. فلكل من أبي حنفية والشافعي وابن حنبل مسنده الذي روى فيه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولمالك الموطأ. فهم أهل الحديث ورواته، فكيف يأتي بعد كل هذه الأعوام من يزاود عليهم وهو لا يحفظ رياض الصالحين أو حتى الأربعين النووية.
أهل الفتوى الغريبة والشاذة يمرون على الأحاديث مرور الكرام فإن وجد أحدهم حديثا تمسّك به وكأنه اكتشف الذرة، ولم يدر المسكين أن العلماء قد اطلعوا عليه وعلى غيره أيضا، وهنا يكمن الفرق بين من يرى حديثا ويظنه كل شيء، ويعتقد أنه السنة ولا سنة سواه، وبين من يرى مجموع الأحاديث في المسألة ليوفق بينها، ويخرج بنتيجة صحيحة.
المذاهب الأربعة هي مناهج مختلفة للتعامل مع النصوص والقياس عليها، والاجتهاد فيما لا نص فيه، مناهج منضبطة لها أصولها المعروفة التي تبني الأحكام عليها. لكن عندما نسأل المفتي الهمام الذي يتبنى الكتاب والسنة ما هو منهجك في التعامل مع النصوص، متى تخصص العام وتقيد المطلق وكيف ترجح بين الأدلة عند التعارض الظاهري بينها؟ لن نجد له مقالا، إذ ليس له منهج تقوم اجتهاداته الغريبة عليه. أو أنه سيذكر لك منهج العلماء السابقين من أئمة المذاهب، وهنا يظهر الاستكبار والهوى وحبّ الظهور الذي يقصم الظهور هو ما يجعل الإنسان يتجاوز حده، ويعتدي على الأكابر من العلماء، ومع هذا يبقى الكبير كبيرا، والصغار صغارا.
الدستور