د. راضي العتوم
أولا: تقديم لأهم المؤشرات الاقتصادية للمملكة المتحدة للعام 2017/2018م
تنقسم المملكة المتحدة (بريطانيا) الى اثنتي عشرة ولاية، ولذلك لديها حكومات محلية، وحكومة مركزية، وتشمل تسع ولايات محلية هي: الولاية الشمالية الشرقية NE، والولاية الشمالية الغربية NW، ويوركشير وهامبر، وولاية شرق ميدلاندز EM، وولاية غرب ميدلاندز WM، وولاية شرق انجلترا، وولاية لندن، وولاية جنوب شرق SE، وولاية جنوب غرب SW وثلاث ولايات اقليمية (اذا جاز التعبير) وهي: اسكتلندا، وويلز، وشمال ايرلندا. ومما يجدر ذكره، أن هناك ثلاث ولايات تتمتع بفائض ميزانياتها عموما للعام 2017 وهي ولايات: لندن، وجنوب شرق SE، وشرق انجلترا. أما باقي الولايات التسعة فتتصف بعجز في ميزانياتها. ففي عام 2017 بلغت ميزانية المملكة المتحدة 772.39 بليون باوند وصلت حصة الولايات الثلاثة الاقليمية الى نسبة 18.2% من موازنة المملكة ((Source: Mathew Keep, Country & Regional Public Sector Finances, House of Common Library, briefing paper No. 8027, 29th. Aug., 2018).).
يبلغ عدد سكان بريطانيا حاليا 65.8 مليون نسمة، ويبلغ ناتجها المحلي الاجمالي 2116.4 مليون باوند استرليني، ومن أبرز المؤشرات الاقتصادية للمملكة المتحدة،أن معدل النمو الاقتصادي قد بلغ 0.7% فقط للربع الثالث من العام الحالي 2018م، وهذا أقل من نمو منطقة اليورو والذي يقترب من 2.0%، وقد بدأ النمو الاقتصادي البريطاني بطيئا جدا للعام 2018 بدءا بمعدل 0.1% للربع الأول، ومعدل 0.3% للربع الثاني من العام. في حين لم يتجاوز 0.4% للعام السابق 2017م.
وفيما يتعلّق بتحليل الناتج المحلي الاجمالي وفقا لاتجاه الانفاق، فقد وصل قطاع الانفاق العائلي الى 63.4% من الناتج المحلي الاجمالي للربع الثالث من العام الحالي 2018م، وبلغ الانفاق الاستهلاكي الحكومي 17.6%، والانفاق الاستثماري الحكومي 16.5%، وباقي نسبة 2.5% لصافي التجارة الخارجية. ويقدر عجز الموازنة العامة للدولة للعام 2019م بمقدار 41.7 مليار باوند، أي ما يعادل 1.97% فقط من الناتج المحلي الاجمالي.
ثانيا: الايرادات العامة للمملكة المتحدة المقدّرة بموازنة العام 2019م
تقسّم حكومة المملكة المتحدة موازنتها الى شطرين رئيسين هما: الحكومة المركزية، والسلطة المحلية. وقد بلغ مجمل موازنة الانفاق للعام القادم 2019م قرابة 817.5 مليار باوند؛ توزّع على نفقات للحكومة المركزية بمقدار 643 مليار باوند، ونفقات للسلطة المحلية بمقدار 174 مليار باوند، مقابل ايرادات مقدّرة بمبلغ اجمالي قدره 776 مليار باوند؛ منها 733 مليار ايرادات للحكومة المركزية، ومبلغ 43 مليار باوند للسلطة المحلية، كما يبينه الجدول رقم (1).
وتشكل الموازنة العامة للانفاق المخطط للعام 2019م ما يعادل 38.6% من الناتج المحلي الاجمالي للمملكة، وتبلغ حصة الفرد من النفقات العامة 12,417باوند استرليني للسنة، أمّا حصة الفرد من الدين العام فتبلغ 27,878 باوندا، حيث تدفع فوائد على دينها العام ما نسبته 6.6% من مجمل نفقاتها وهو ما يعادل 2.55% من ناتجها المحلي الاجمالي، ويوضح الشكل رقم (2) توزيع أوجه الانفاق العام.
ثالثا: الايرادات العامة للمملكة المتحدة المقدّرة بموازنة العام 2019م
ويوضح الشكلان رقم (4 و 5) مصادر مبالغ الايرادات العامة للحكومة، ونسبة تلك المصادر من الاجمالي المقدرة للعام 2019م.
لا شكّ أن المقاربة بين الأردن وبريطانيا بعيدة المنال؛ ذلك أن تكوينة البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية متباينة الى حدّ كبير. ومهما يكن، نستطيع الاستفادة في الأردن منها ومن غيرها من موازنات الدول المتقدمة لاعادة ترتيب أولويات الموازنة، وبالتالي اعادة تنظيم وترتيب الانفاق العام بما يخدم أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وطموحات الشعب والدولة في آن واحد.
ولا شكّ، أن وزارة المالية ودائرة الموازنة العامة بالمملكة الاردنية الهاشمية قد طوّرتا الكثير من الآليات والاجراءات لاعداد الموازنة العامة، كما ويشهد لهما بتطوير المعلومات المالية والاقتصادية الدقيقة والصريحة، ونشر تلك المعلومات بنشرة دورية متميزة يعتزّ بها، كما تنشرا الأدلة والتقارير المتنوعة اللاتي تعمل على انجازها، وتتابعا تقييم نتائج الأعمال في المجالات المالية المتنوعة، ما لها وما عليها، وهذا أمر يقدّر ويثمّن عاليا.
وما نقصده في هذه المقارنة لبعض المؤشرات هو محاولة المقاربة للسياسات العامة التي تحكم اعادة توزيع الانفاق العام، والايرادات العامة، والافادة ما أمكن خاصة وأن الحكومة تتوجه الى تعزيز اللامركزية في الادارة وفي الانفاق، وتسعى لتطوير السبل والاجراءات الكفيلة بنقل التجارب الناجحة في تلك المجالات.
وكما تفيدنا المعلومات المالية الرسمية المنشورة، فإن الناتج المحلي الاجمالي للأردن يصل الى 28.5 مليار دينار للربع الثالث من العام الحالي 2018م، وبلغ الدين العام قرابة 28.36 مليار دينار للربع الثالث من العام الحالي 2018م ، حيث يقدر معدل النمو بحدود 2.0 الى 2.5% للعام الحالي؛ وهو أفضل من معدل النمو لدول اليورو، وأفضل بكثير من معدل النمو للمملكة المتحدة (بريطانيا) والذي بلغ 0.7% للربع الثالث من العام الحالي2018م. أمّا نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي فتبلغ 96.4% مقارنة بنسبة86.7 % للمملكة المتحدة، كما تبلغ نسبة البطالة 18.7% من القوى العاملة، وهذه أسوأ بكثير من البطالة لبريطانيا والتي تراجعت الى 4%.
والى الموازنة العامة للدولة، يتضح الأولوية بالانفاق في المملكة المتحدة، حيث يتركز في ثلاث قطاعات وهي التقاعدات، والرعاية الصحية للمجتمع، والرفاه الاجتماعي للمواطنين، وهذه الفئات تستحوذ على أكثر من نصف مخصصات الانفاق العام وبما نسبته 53% من مجمل النفقات العامة للدولة، وباضافة التعليم، يصل الانفاق الى 63.7% من مجمل موازنة المملكة المتحدة للبنود الأربعة تلك.
وبمقارنة ذلك التخصيص للموازنة في الاردن، فإن أعلى نسبة انفاق تعود للدفاع، حيث يصرف عليه 15.5% من الموازنة، هذا بدون تكلفة التقاعد العسكري، اضافة الى ما يسمى بالانفاق على "النظام العام وشؤون السلامة" والذي يصل الى نسبة 15.3%، وهذا مقارنة بالانفاق على الدفاع للمملكة المتحدة بنسبة 5.9% فقط من مخصصات الموازنة العامة. وما يقارب خطة الانفاق بين البلدين، الانفاق على التعليم، حيث وصل بالأردن الى نسبة 12.2% من اجمالي النفقات العامة، وكذلك الانفاق على الحماية الاجتماعية والتي تصل الى نسبة 21.1% من مجمل النفقات، وايضا الانفاق على الصحة بنسبة 14% تقريبا (المصدر: وزارة المالية، نشرية مالية الحكومة العامة، ايلول 2018).
وعل الجانب الآخر، توضح مصادر الايرادات العامة للأردن، أنها تتركز في الضرائب غير المباشرة والتي تصل الى 51.8% (الضرائب على السلع والخدمات، والضرائب على التجارة والمعاملات الدولية)، مقارنة بتركيز الايرادات لدى المملكة المتحدة أيضا في الضرائب غير المباشرة وبنسبة 42.4% من مجمل الايرادات، لكن تعطي بريطانيا اهتماما أكبر للايرادات من الضرائب المباشرة على الدخل وراس المال لتصل نسبة 33.5% من مجمل الايرادات.
خلاصة القول، فإنه لا بــدّ من تخفيض الانفاق على الدفاع والأمن تخفيضا واضحا ومدروسا، فلا يمكن ترك المجال لتزايده بشكل مضطرد كما هو، وهذه مسؤولية مؤسسات الدولة العميقة وليس وزارة المالية، كذلك اعادة ترتيب بنود الانفاق ومسمياتها بما يحقق اعادة النظر باهتمامات وهموم اللامركزية، بحيث تصدر من رحم الادارة المحلية لتلك المناطق، وتتباين ووتتوازى وفقا للموارد والمتطلبات في كل منطقة أو محافظة، وهذا حقيقة يدعو الى اعادة النظر في توزيع المناطق الجغرافية لمحافظات المملكة،حيث أنها في وضعها الحالي لا تصلح ولا تتواءم مع استراتيجيات التنمية الأساسية ومنطلقاتها؛ فهي بالواقع تمت هندستها جغرافيا بطريقة غير موائمة تماما للتنمية، وهذه قضية بحاجة الى اعادة نظر ودراسة واقعية دقيقة تأخذ بالاعتبار الخصائص الجغرافية المتوائمة مع الخصائص السكانية ليتم اعادة التوزيع للمناطق والمحافظات بطريقة علمية واقعية أفضل مما هو عليه.