كعادته كان جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين يوم الثلاثاء الماضي يسبق الجميع، في التأشير على مواطن الخلل والخطأ وضرورة الاستفادة منها، لتجنب الوقوع فيها، وأول هذا الذي أشار إليه جلالته هو المناخ العام وما أصابه من خلل أثر على علاقات الناس ببعضهم وبوطنهم، جراء سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى منصات للتناحر الاجتماعي كما قال جلالته محقاً وقد أصاب كبد الحقيقة في وصفه هذا، لسوء استخدامنا لوسائل التواصل، وما نجم عن هذا السوء من مشاكل اجتماعية وغير اجتماعية، ويكفي أنها لبدت أجواء مجتمعنا بنذر الفتنة، والبغضاء، والكراهية، والشك، وفقدان اليقين، عندما فقد الكثيرون من مستخدمي منصات التواصل أدب الخطاب، فحولوها إلى "مكان للذم والقدح، تعج بالتعليقات الجارحة والمعلومات المضللة، التي تكاد أحياناً تخلو من الحياء أو لباقة التخاطب والكتابة، دون مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو الالتزام بالقوانين التي وجدت لردع ومحاسبة كل من يسيء" كما قال جلالته في مقالته التي نشرها يوم الثلاثاء الماضي، معبراً عن ضمير الغالبية الساحقة والصامتة من الأردنيين، التي اعتادت أن يكون جلالته ضميرها اليقظ الذي يقودها إلى الحق والالتزام به.
في مقالته المنشورة يوم الثلاثاء الماضي لم يتوقف جلالته عند الإطار العام للخلل، الذي أصاب استخدام الكثيرين منا لوسائل التواصل الاجتماعي، ولكن ومن خلال دوره كضمير معبر عن شعبه، وكموجه لمسيرة هذا الشعب، أشار جلالته إلى الكثير من تفاصيل هذا السوء في استخدام وسائل التواصل، وهو السوء الذي حولها إلى منصات للتناحر، من ذلك أن هذه الوسائل صارت ملعباً واسعاً للإشاعات الهدامة التي تصب في الجهود المبذولة لإضعاف الأردن، وتوهين تماسكه، والتفافة حول قيمه وثوابته، والتي وصفها جلالته بالمرساة قائلاً " إنني بدأت أرى مؤخراً على منصات التواصل الاجتماعي، محاولات لخلخة ثبات هذه المرساة".
ومثلما أشار جلالته إلى خطر استخدام منصات التواصل لنشر الإشاعات، فقد أشار أيضاً إلى أولئك الذين يستخدمون هذه المنصات، إما لتمرير أجنداتهم الخاصة، أو لتصفية حسابات شخصية وسياسية، وهو ما يظهر واضحاً للعيان في الكثير من الأحداث التي يمر بها بلدنا، وآخرها مصابنا في البحر الميت، وكيف حاول البعض النيل من بلدنا، وحاول البعض الآخر بناء بطولات زائفة، فيما حاول فريق ثالث تصفية حساباته الشخصية والسياسية مما لا يخفي على جل الأردنيين وفي مقدمتهم قائد مسيرتهم.
وكعادته أيضاً فإن جلالته لم يتوقف عند حدود تشخيص العلة، بل وصف لها العلاج، وأولها أن جلالته ذكرنا جميعاً بالوصفة الربانية لمواجهة الإشاعة من خلال ثقافة التبُين كما جاء في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" وثقافة التبيُن تفرض علينا التصدي لأهل الفتن ومروجي الإشاعات، وهو ما أكده جلالته في مقالته عندما قال " علينا جميعاً أن لا نتوانى عن مواجهة من يختبئون وراء شاشاتهم وأكاذيبهم بالحقيقة، وبإمكان كل من يتعرض للإساءة أن يلجأ للقضاء لينصفه فنحن دولة قانون ومؤسسات".
كما كرر جلالته دعوته المستمرة للإعلام لممارسة دوره في تقديم المعلومات الحقيقية، من خلال الالتزام بالمهنية والمسؤولية الأخلاقية، لكن الدور "الأهم هو دورنا نحن كأفراد ومجتمعات بأن لا نرضى أن نكون متلقين فقط بل أن نفكر فيما نقرأ وما نصدق ونتمعن فيما نشارك مع الآخرين" وهذه الوصفة الملكية تتطابق مع قول رسول الله عليه السلام "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" فهل نفعلها ونكف عن تداول كل ما نسمع،فنكون عند حسن ظن رسولنا وحفيده؟.
الرأي