تدخلَ الملك، قدّم رأيه، بيّن أن المجتمع الذي نحن فيه اليوم يشهد حالة انتقال، وتحول غريب، وكي يفوّت الملك الفرصة على الجاهزين لمهاجمة شبكات التواصل برمتها، والنقد السياسي المحترم، والشكوى المُحقة والمنطقية، إذ بين جلالته أنّ في هذه الشبكات ما هو إيجابي، وما جعله يستمع لصوت الناس ومعاناتهم «دون فلترة» كمال قال.
معنى هذا أن بعض الأخبار والشكاوى كانت تخضع لنظام عرض يخضعها لهوى ومزاج ورؤية أصحاب الشأن القائمين عل إيصال صوت الناس للملك، ومعنى هذا أننا نعيش مع ملك يثق بالشعب كثيراً ويصدقه في كلّ ما يعاني منه، وفي ما يشكو منه الناس، ذلك أن المواطن البسيط الذي عنده مظلمة أو شكوى ليس مذنباً إذا خذلته الحال أو ضاقت به السبل.
ليست شبكات التواصل نبت شيطاني إذاً، بل هي عنوان العصر الجديد، وفي في سياق ثورة الاتصالات التي عاشها الجيل الحالي بكل تفاصيلها، بدأت مع الاطباق اللاقطة التي اسمعت الناس صوت العالم دون فرض قيود، ولم تنجح الدول التي حاولت التقييد، وبعد خمس سنوات على ظهور «الستالايت» كان العالم قرية واحدة، وجاء الانترنت مع مطلع التسعينات فنقل ثورة الاتصال إلى ظروف جديدة، وحالة أوسع من الاشتباك والتلاقي مع السهولة في نقل البيانات، وبالرغم من تقدم الأشكال التواصلية ما زال الإيميل سيّد الرسائل ولا يخلو من الاستخدام السلبي أيضاً.
قبل شهور شهد مجتمع مستشفى الجامعة الأردنية حملة رسائل الكترونية عبر ايملات ترسل عن فساد مزعوم لاطباء اساتذة في الجامعة، كانت رائحة الكراهية والبؤس تفوح من الرسائل، وقد اطلعني احد الاصدقاء من الذين ارسلت بحقهم تلك الايميلات المشينة والهالكة في مثاوي الردى، فرأيت بعضها، ونصحته بالتجاهل لأن مرسلها إما حاقد أو خالٍ من العقل، ولكن للأسف كانت تلك الرسائل تجد صداها فتشوه سيرة الناس والذاوت المحترمة، واعتقد أن الأمور لاحقاً ذهبت إلى منحىً قانوني عبر وحدة الجرائم الالكترونية.
معنى هذا، أنّ جريمة تشويه الحقائق ومهاجمة الناس ما زالت ماثلة في الوسائل القديمة، السابقة على الفيس بوك، وهي وسائل تكون مختارة ولعينة محددة يقصدها المُرسل، أما الاساءة عبر الفيسبوك فتكون عامة وتتحول إلى كرة تتدحرج بشكل كبير ويلتقطها الناس، وكما قال الملك او عبر بأن الاشاعة « باستطاعتها الدروان حول العالم قبل أن ترفع الحقيقة رأسها».
في شبكات التواصل سلطة عامة للجهمور، هي التي تجعل الحكومات تغير قراراتها، وهي التي تجعلك تزور مصابا بحجة أنه تعرض لعنف ما من طرف ما، وتجد لاحقا أنه كذب، هي التي تدفع المسؤول لزيارة مكان ما احترق، في إثر حديث أهل الفيسبوك عنه باعتباره رمزاً حضارياُ ووطنياُ وهو في الحقيقة مجرد غير ذلك. فكما أن شبكات التواصل تحتاج لتنقية فنحن أيضاً بحاجة لاحتراف ودقة في التعامل مع الرأي العام المتشكل عنها.
الدستور