المحامي الدكتور سعد علي البشير
يمر الأردن اليوم بمرحلة صعبة، وتصر الحكومة على إقرار مشروع قانون ضريبة الدخل الذي أحالته إلى مجلس النواب والذي يعتقد البعض أنه لم يأخذ نصيبه من الدراسة الكافية، وأنه لم يواكبه قانون يُحقق العدالة الاجتماعية، والذي رفضه الشعب معبراً عن ذلك برفضه لاستقبال السادة الوزراء في بعض المحافظات، كما عبرت فئات أخرى عن رفضها لهذا القانون قائلة: " معناش، بدناش، قانون بيلزمناش"، ثم أتى تقرير البنك الدولي الذي توقع أن لا يتجاوز النمو في الأردن 2.4% عام 2020، أي أقل من معدل النمو البالغ 6% في المتوسط بين عامي 2005 و2010 قبل تفجر الصراع في المنطقة، ومن ثم زاد على الشعب الأردني القلق الذي أصابه من البطالة، وقلة الموارد، فظهر حفل قلق! وكان يكفي قراءة تصريحات جلالة الملك، وفهم غضبه من خطاب الكراهية الذي أخذ بالتنامي داخل المجتمع الأردني بشكل غير مسبوق، رغم أن هذا الشعب الأبيَ، ذو الشيم، لم يكن به أي من تلك العادات أبداً، ولكن على ما يبدو فإن البعض اختار طريق الاحتجاج الصامت الذي يُعبر فيها كل فرد عن نفسه بطريقته الخاصة.
ومن نافلة القول أن قائد القاطرة يستجيب لإشارات التحذير التي في الطريق حتى ولو كان متيقناً من خطأها تماماً، ولا يحاول أن يقف لينزع عدداً من الإطارات، أو يستبدلها بأخرى ظاناً أنها ستنجي قاطرته من مخاطر الطريق، وإنما يُخفف سير قاطرته باحثاً عن أفضل نهج وطريق يوصله لبر الأمان.
ودعني أقولها بصراحة يا دولة الرئيس إن نهج حكومتكم الذي تسيرون به قد يفهم من قبل البعض بأنه لا يختلف عن نهج الحكومات السابقة والمعروفة تتيجته، يادولة الرئيس، ومن احترامنا ومحبتنا لشخصكم الكريم، نقول لكم أنه لن يفيد تغيير الوزراء إن لم يتغير النهج، ولن يفيد دمج الوزارات إن لم يتغير هذا النهج الذي أطاح ببعض الحكومات السابقة، وأدى إلى زيادة مديونية الدولة.
يا دولة الرئيس وبصفتي أحد مواطني المملكة الأردنية الهاشمية، وبصفتي عضو المكتب التنفيذي لحزب التيار الوطني، وبصفتي عضو مجلس إدارة الاتحاد الدولي للحقوقيين، أقول لكم أنه ليس هناك أدنى شك من ضرورة العودة إلى نص كتاب تكليفكم السامي حول تشكيل الوزارة والذي جاء فيه:"... أوجهكم، وأنتم تَنْبَرون لهذه المهمة الوطنية لإطلاق مشروع نهضة وطني شامل، قوامه تمكين الأردنيين من تحفيز طاقاتهم، ورسم أحلامهم والسعي لتحقيقها، وتلبية احتياجاتهم عبر خدمات نوعية، وجهاز حكومي رشيق وكفؤ، ومنظومة أمان اجتماعي تحمي الضعيف في ظل بيئة ضريبية عادلة"، ... وعلى الحكومة أن تطلق فورا حوارا بالتنسيق مع مجلس الأمة بمشاركة الأحزاب والنقابات ومختلف مؤسسات المجتمع المدني، لإنجاز مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يعد تشريعا اقتصاديا واجتماعيا مفصليا، إذ إن بلورة مشروع قانون ضريبة الدخل هو خطوة ومدخل للعبور نحو نهج اقتصادي واجتماعي جديد، جوهره تحقيق النمو والعدالة..."، وليس هناك أدنى شك من ضرورة العودة إلى الورقة النقاشية الخامسة لجلالة الملك عبد الله الثاني، والتي جاء فيها:" ... غدت القيم الضرورية لعملية تحول ديمقراطي ناجحة نحو الحكومات البرلمانية معروفة لجميع الأردنيين، وهي القيم التي لا بد من تجذيرها في ثقافتنا ومجتمعنا، وتشمل: الاعتدال، والتسامح، والانفتاح، والتعددية، وإشراك جميع مكونات المجتمع، واحترام الآخرين والشعور بهم، واحترام سيادة القانون، وصون حقوق المواطن، وتأمين كل طيف يعبر عن رأي سياسي بفرصة عادلة للتنافس عبر صناديق الاقتراع"، والحكومة البرلمانية يا دولة الرئيس لا تأتي إلا من خلال برلمان مؤلف من الأحزاب والنقابات المهنية، والمجتمع المدني ، مما يعني ضرورة إجراء تعديلات على قانون الانتخابات الحالي بما يضمن تمثيل الأحزاب والنقابات المهنية، ومؤسسات المجتمع المدني في هذا البرلمان، وبالتالي إجراء انتخابات مبكرة، ومن ثم تحميل الحكومة المُشكِّلة مسؤولية الحاضر والمستقبل، هذا وطن نريده أملاً للأجيال القادمة، جاذباً للاستثمار، محققاً للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، خالياً من الديون، هل هذا صعب المنال ، هنا السؤال؟
* عضو المكتب التنفيذي لحزب التيار الوطني، عضو مجلس إدارة الاتحاد الدولي للحقوقيين