مدار الساعة - اعتمد كيث تايلور وزوجته أسلوبَ حياةٍ يتضمَّن الصيام على أساس منتظم خلال السنة والنصف الماضية، وهو ما فاجأهم بنتائج وفوائد غير متوقعة.
وقال تايلور في رسالة بالبريد الإلكتروني لشبكة CNN الأميركية: «نحن لا نأكل حتى حوالي الساعة الخامسة مساءً على مدار 6 أيام في الأسبوع، لكنَّنا نأكل بقدر ما نريد وكما نشاء من الساعة الخامسة مساءً حتى موعد النوم. إنَّها ليست حميةً غذائية بالمعنى التقليدي، إذ لا نُقيِّد أنفسنا بنوعية أو كمية مُحدَّدة من الطعام، لكن في المقابل نتقيَّد فقط بالوقت الذي نأكل فيه».
منذ بدأ تايلور وزوجته يصومان بشكلٍ مُتقطِّع، وهو ما يُسمَّى في أحيانٍ كثيرة بالصيام المُتقطِّع، تمكَّنوا من الحفاظ على وزنٍ صحي وأصبحوا أنشط وأكثر يقظة، وانخفض لديهما شعور الإرهاق والضغط العصبي وأصبحا أقل عرضةً للإصابة بالمرض.
وبينما يُقرُّ تايلور ما إذا كان سيعيش لفترةٍ أطول نتيجة للنمط الغذائي الذي يتَّبعه هو «سؤال جيد»، لكنَّه يشعر بالتفاؤل.
قال تايلور: «أشعر بالفعل وكأنني أصغر سناً». وأضاف: «إذا كنت أبدي مؤشرات موضوعية على كوني أكثر شباباً -أقوى وأكثر إيجابية- عندها أعتقد أنَّ من المنطقي الافتراض بأنني قمت بالفعل بإطالة أمد حياتي عن طريق الانتقال إلى نظام الصيام المُتقطِّع».
فوائد الصيام.. صحة أفضل وحياة أطول
كشف بحثٌ أُجرِيَ على الحيوانات أنَّ الصيام المُتقطِّع يمكن أن يُقلِّل من خطر الإصابة بالسمنةوالأمراض المرتبطة بها، بما في ذلك مرض الكبد الدهني غير الكحولي والسكري والسرطان.
ووفقاً لمارك ماتسون، رئيس مختبر العلوم العصبية في المعهد الوطني للشيخوخة، كشف البحث الذي أُجرِيَ في الثمانينيات أنَّ عمر الفئران يزداد بشكلٍ كبير عندما يصومون مرةً كل يومين، مقارنةً بالفئران المتوافر لديها طعام في جميع الأوقات.
ووجدت دراسةٌ حديثة نُشِرَت هذا الشهر أكتوبر/تشرين الأول أنَّ الفئران الصائمة، سواء بسبب إطعامها كل احتياجاتها من السعرات الحرارية مرة واحدة فقط في اليوم أو بسبب تقييد سعراتها الحرارية، الأمر الذي جعلها بطبيعة الحال تأكل كلَّ طعامها المُحدَّد في آنٍ واحد، كانت أكثر صحة وعاشت فترةٍ أطولمقارنةً بالفئران التي توافرت لديها إمكانية الحصول المستمر على الطعام.
ووفقاً للخبراء، فإنَّ محاولة اكتشاف ما إذا كان الصيام ببساطة هو أحد أشكال تقييد السعرات الحرارية تُعد مسألةً مُعقَّدة للغاية. قال رافائيل ديكابو، العالِم في المعهد الوطني للشيخوخة والمؤلف الرئيسي للدراسة: «في غياب نظام تقييد السعرات الحرارية، وبعيداً عن اتباع حمية غذائية، أظهرت الفئران الصائمة نتائج أفضل من غير الصائمة».
لكن هل الفوائد الصحية للصيام، بما في ذلك إمكانية العيش حياة أطول، تنطبق على البشر؟
حمية محاكاة الصيام عند البشر
كشفت الأبحاث حتى الآن عن نتائج واعدة. قسَّمت إحدى الدراسات، التي نُشِرَت في العام الماضي، 100 شخص، جميعهم خالين من الأمراض، إلى مجموعتين. وكان المشاركون أمام اتباع أحد خيارين على مدار ثلاثة أشهر، فإما تناول ما يشاؤون من طعام وإما استهلاك ما بين 800 و1100 سعر حراري لمدة 5 أيام فقط من كل شهر، وهو نمطٌ يشير إليه الباحثون باسم «حمية محاكاة الصيام».
في نهاية مدة الدراسة، رأى المشاركون المُتَّبعون لحمية محاكاة الصيام الذين كانوا مُعرَّضين لخطر الإصابة بأمراض أنَّ مستوى سكر الدم (الجلوكوز) خلال الصيام، وهو المؤشر الذي يقيس خطر الإصابة بالسكري، يعود إلى معدلاته الطبيعية.
انخفضت كذلك مؤشراتٌ على احتمالية الإصابة بأمراض القلب، جنباً إلى جنب مع مستوياتٍ عالية من الكولسترول والدهون الثلاثية، علاوة على انخفاض مستويات هرمون عامل النمو الشبيه بهرمون الأنسولين (1GF1) لمختلف أنواع السرطانات.
بالإضافة إلى ذلك، خسر المشاركون دهون البطن، بينما حافظوا على كتلة عضلات نحيلة وتمثيل غذائي جيد، تلك الدهون التي غالباً ما يُضحَّى بها عند اتباع حمية غذائية منخفضة السعرات الحرارية.
الحياة الأطول أمر طبيعي مع قلة الأمراض
ويوضح فالتر لونغو، الذي شارك في تأليف تلك الدراسة السريرية، أنَّ من المستحيل تقريباً تصميم تجربة بشرية على إطالة العمر، إذ ستتكلَّف 100 مليون دولار أو أكثر. وقال لونغو: «لكن إذا نظرت إلى البيانات الواردة من تجربتنا.. سيكون من الصعب إدراك كيف لن يعيشوا فترة حياة أطول».
قال ماتسون: «أنت تفكر في الأمراض عندما تفكر في مدى العمر -أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري- كأسباب رئيسية للوفاة». وأوضح ماتسون أنَّه إذا كانت لديك تحسينات في عوامل خطر الإصابة بالمرض، فإن هذا الأمر «في المتوسط» يعزَّز مدى العمر.
ويقول فالتر لونغو، الذي يدير أيضاً معهد إطالة العمر في كلية ليونارد ديفيس لعلم الشيخوخة بجامعة جنوب كاليفورنيا، إنَّ الصيام الدوري يُوفِّر «بديلاً مُحتَمَلاً لتناول كثير من العقاقير».
أنت تحتاج إلى 5 أيام في الأسبوع فقط
وأضاف أنَّه «ليس من الضروري إدخال تغييرات رئيسية على حميتك الغذائية، يمكنك القيام بذلك لمدة 5 أيام فقط ثم تعود إلى ما كنت ستفعله بشكل طبيعي».
وكشف البحث وراء الحمية الغذائية الشهيرة بـ 5:2 -وهي نوعٌ من الصيام المُتقطِّع يأكل فيه الشخص ما يريد لمدة 5 أيام في الأسبوع، ثم يُقيِّد نظامه الغذائي إلى 500 سعر حراري لمدة يومين متتاليين- عن فوائد صحية أيضاً.
وقال ماتسون: «نشرنا دراستين مع الدكتورة ميشيل هارفي بجامعة مانشستر، إذ تضمَّنَت كلَّ دراسةٍ منهما 100 امرأة تعاني من زيادة في الوزن، وكان تصميم الدراستين واحداً».
وأضاف: «قمنا بتقسيمهم إلى مجموعتين؛ اتبعت المجموعة الأولى الحمية الغذائية 5:2، بينما تناولت المجموعة الأخرى ثلاث وجبات في اليوم، لكنَّنا قلَّلنا كمية السعرات الحرارية بنسبة 20% إلى 25% أقل مما يأكلون عادةً بحيث تتساوى كمية السعرات الحرارية الأسبوعية لكلتا المجموعتين».
فقدت المجموعتان نفس كمية وزن الجسم على مدى فترة 6 أشهر، لكن هذه هي النقطة التي انتهت عندها أوجه التشابه. قال ماتسون: «شهدنا آثاراً صحية مفيدة على مجموعة النساء اللاتي اتَّبعن الحمية الغذائية 5:2، إذ كانت أفضل كثيراً من حيث تنظيم مستوى سكر الدم (عامل خطر الاصابة بمرض السكري) وفقدان دهون البطن (أحد عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية) مقارنةً بالنساء اللاتي تناولن وجبات منتظمة مع تقييد السعرات الحرارية».
الصيام المحدد بزمن مفيد
وأظهر شكلٌ آخر من أشكال الصيام، المعروف بالتغذية المُقيَّدة بزمنٍ مُحدَّد، حيث يجري استهلاك الوجبات خلال عددٍ محدودٍ من الساعات كل يوم -مثلما يفعل تايلور وزوجته- آثاراً مفيدة على الوزن والصحة في الحيوانات، لكن خلصت مقالة مراجعة نُشِرَت عام 2015 إلى أنَّ البيانات من الدراسات التي أُجرِيَت على البشر على هذا النوع من نمط التغذية محدودة.
كشفت دراسة أُجرِيَت في شهر يونيو/حزيران عن فوائد صحية لنمط التغذية المُقيَّدة بزمنٍ مُحدَّد في حالة عدم وجود فقدان للوزن بين الرجال في مرحلة ما قبل السكري. ومع ذلك، شملت الدراسة 8 مشاركين فقط.
ويعترف الباحثون القائمون على الدراسة بأنَّ «تلك النتائج يجب أن تتكرَّر في تجربةٍ أكبر تضم النساء أيضاً».
الصيام لعلاج الأمراض
تجري حالياً تجارب سريرية لنظام الصيام المُتقطِّع على مرضى يعانون من أمراض مختلفة مثل التصلُّب المُتعدِّد أو السرطان لتحديد ما إذا كان الصيام يمكن أن يوقف تقدُّم مثل هذه الأمراض.
أوضح ماتسون أنَّه «إذا أصبت الخلايا السرطانية بالعلاج الكيميائي أو الإشعاعي عندما يكون الفرد في حالة صيام، قد تكون الخلايا السرطانية أكثر عرضةً للقتل لأنَّها تتغذَّى على سكر الدم ولا تستطيع استخدام أحماض الكيتونات (وهي مصدر الوقود بالنسبة لجسم الانسان أثناء الصيام)».
ويدرس الباحثون في الوقت الحالي مدى تأثير الصيام على الأداء المعرفي ومخاطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى النساء البدينات.
كيف يمكن أن يساعدك الصيام على العيش لفترة أطول
وفقاً للخبراء، فإن أحد الجوانب الحاسمة للصيام -الذي يختلف عن مجرد تقييد السعرات الحرارية- هو أنَّ الجسم يخضع لتحوُّل أيضي من استخدام سكر الدم إلى استخدام الكيتونات كوقودٍ للجسم نتيجة لخفض مخزون طاقة الكبد وحرق الدهون (هذا التحوُّل يحدث أيضاً خلال ممارسة التمرينات الرياضية).
وقال ماتسون: «إذا لم تكن نسبة الكيتونات مرتفعة، فإنك لا ترى التأثيرات المفيدة». الأكثر من ذلك يتمثَّل في أنَّ هذه التغييرات الأيضية التي تحدث أثناء «دورة» مُتكرِّرة من الصيام وتناول الطعام قد تساعد على تحسين وظائف المخ وتعزيز مقاومته للإجهاد والمرض، وكلاهما له تداعيات إيجابية بالنسبة للشيخوخة.
ووفقاً للونغو، يشير وجود الكيتونات في الدم إلى أنَّ الجسم، على المستوى الخلوي، يعيد تجديد نفسه، ما يحمي من الشيخوخة والمرض.
صحة أفضل وحياة أطول / Getty images
تجديد الخلايا أبرز فوائد الصيام
يقول لونغو: «نشرنا العديد من الأوراق البحثية والشيء الرئيسي الذي نتحدَّث عنه هو تجديدٌ مُتعدِّد الأنظمة». على سبيل المثال، يبدو أنَّ الصيام يخفض مستوى خلايا الدم البيضاء التالفة لكن عند إعادة إمداد الجسم بالطعام، تعمل الخلايا الجذعية ويقوم الجسم بإعادة بناء وتجديد خلايا جديدة سليمة. لذلك، كما يوضح لونغو: «يمكنك التخلُّص من الخلايا الفاسدة غير المرغوب فيها أثناء فترة تجويع جسدك وبمجرد حصولك على الطعام، تستطيع إعادة البناء مُجدَّداً».
وأضاف لونغو: «تحلُّ خلايا جديدة وفعَّالة محلَّ الخلايا التالفة، والآن يبدأ نظام الجسم في العمل بشكل صحيح. ويؤثر هذا الأمر في نهاية المطاف بشكل إيجابي على تقليل خطر الإصابة بالأمراض، إذ تنخفض عوامل خطر الإصابة بالمرض عندما تكون الأنسجة صحية وتعمل بشكلٍ جيد».
عوامل ينبغي مراعاتها في الصيام
إحدى النقاط التي يجب أخذها في الاعتبار هي أنَّ البحث في آثار الصيام قد ركَّز في الغالب على الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو أولئك الذين لديهم عوامل خطر الإصابة بأمراض. لكن إذا كنت تكبر في السن بوزنٍ صحي وجسدٍ خالٍ من الأمراض وتتبع نظاماً غذائياً صحياً وتمارس الرياضة بانتظام، فقد لا يُوفِّر لك الصيام الدوري بالضرورة فائدةً إضافية في ما يتعلَّق بإطالة عمرك.
وفي هذا الصدد، قال ماتسون: «إذا أنت تقوم بالفعل بكلِّ شيءٍ بشكلٍ صحيح، عندئذٍ لا أوصي بضرورة الانتقال إلى نظام الصيام المُتقطِّع».
لكن الصيام غير مناسب للكل
الصيام هو أيضاً نمطٌ غذائي غير مناسب للنساء الحوامل وذوي الحالات الطبية مثل مرضى السكري أو الذين يعانون من اضطرابات الأكل.
ووفقاً لسمانثا هيلر، أخصائية مسجلة في مجال الحميات الغذائية والتغذية السريرية بمركز Langone Health الطبي في نيويورك، لا تزال لجنة المُحكِّمين تدرس مدى صحة هذا النهج واستدامته وواقعيته.
تقول هيلر إنَّه على الرغم من أنَّ بعض الناس قد يشعرون بحالةٍ من التحسُّن نتيجة للصيام، فإن تناول وجبات منخفضة السعرات الحرارية للغاية، أو دون سعرات حرارية، في الأيام البديلة يتسبَّب في شعور بالذنب لدى كثيرين وقد يفاقم من علاقة صعبة ومعقدة بالفعل بين الشخص وطعامه.
يقول الخبراء إنَّك إذا كنت تفكر في اتباع حمية غذائية سريعة، فمن الضروري الحصول على موافقةٍ من الطبيب وأن تُراقَب طبياً. وأوضحت أنجيلا ليموند، أخصائية التغذية المُسجَّلة بالأكاديمية الأميركية للتغذية وعلم الغذاء، أنَّه من الحكمة أيضاً أن تلتقي بانتظام مع اختصاصي تغذية مُسجَّل يمكنه مراقبة أنماط الأكل الخاصة بك لأنه من السهل الإفراط فيها في أيام عدم الصيام، لاسيما عندما لا تكون في محيط مضبوط مثل الذي كان فيه المشاركين في الدراسة. وقالت ليموند إنَّ «فوائد الصيام تتعارض إذا كنت ستعوض السعرات الحرارية في اليوم التالي».
اختيار نوع الصيام مهم
هناك عاملٌ آخر ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار ألا وهو معرفة ما نوع النمط الذي سيكون ملائماً لأسلوب حياتك. ينخرط ماتسون في نظام التغذية المُقيَّدة بزمنٍ مُحدَّد، وهي ممارسة اعتمدها منذ أكثر من 30 عاماً، إذ يستهلك جميع الـ2000 سعر حراري التي يحتاجها جسده في الفترة ما بين الثالثة عصراً والثامنة مساءً.
يسمح له نظامه الغذائي، الذي يشتمل على الكثير من الفواكه والخضراوات والمكسرات والبقوليات والشوفان، إلى جانب السمك والدجاج الذي تطبخه زوجته، بالوصول إلى العمل في مختبره بحلول الساعة السابعة صباحاً، ويتيح له وقت للركض قليلاً في وقت مبكر من فترة الظهيرة (ملاحظة: هو يزعم أنَّه بمجرد أن تتكيف على تخطي وجبة الإفطار، فإن إيقاعاتك البيولوجية اليومية تتأقلم بشكلٍ مناسب ولا تعاني من آثارٍ جانبية سلبية، بما في ذلك زيادة خطر زيادة الوزن مجدداً).
وأخيراً، من المهم أن تتذكَّر أنَّه على الرغم من أنَّ صحتك قد تتحسَّن بالصيام، هناك عوامل أخرى يمكنها أيضاً تحديد الفترة التي ستعيشها في نهاية المطاف، من بينها العوامل الوراثية والبيئة.
ينبغي أن تتذكَّر أيضاً أنَّ مسألة كونك تتمتَّع بصحةٍ جيدة لا ترتبط دائماً بالعيش حياة أطول. قال ديكابو: «نحن نحاول دائماً الربط بين البقاء والصحة ولكن هناك انفصالٌ واضح بينهما. وقد رأينا ذلك في كثير من الحالات». وأضاف أنَّ «بيانات بحوث الطب الوقائي المستندة إلى دراستنا تفيد بأنَّ الإجابة هي نعم -يمكنك الاستفادة من الصيام من حيث الصحة وفترة الحياة- لكننا لا نعرف ماذا ستكون النتيجة بالنسبة للبشر».
وردد ماتسون نفس وجهة النظر قائلاً: «هناك العديد من العوامل غير المعروفة، بما في ذلك تجارب الحياة وكيف تؤثر على صحتك». وأضاف: «أعتقد أنني قمت بزيادة فرصي في العيش لفترة أطول، لكن لا يوجد ضمان».
عربي بوست