مدار الساعة-من الأخلاق العظيمة التي يندر وجودها في هذا الزمان خصوصاً عند الرجال = خلق الشجاعة
ليس بمعناه الجسدي وحده، بل بمعناه القلبي والعملي، شجاعة الإقدام على الحق، والثبات عليه، وتحمل تبعاته.فقلّ أن تجد بابا من أبواب العبودية، أو مساراً من مسارات الاستقامة، إلا وهو يحتاج قدراً من الشجاعة،أحب أن أقسم هذا الخلق إلى ثلاثة أقسام:شجاعة القرار، وشجاعة الاحتمال، وشجاعة الاستمرار.من مظاهر ذلك:- الزواج يتطلب قدراً كبيراً من شجاعة؛ لأن فيه خروجاً من دائرة الأمان الوهمي إلى تحمل النفقة والمسؤولية، وبذل النفس والوقت، وكثير من الشباب اليوم لا يعزفون عنه فقراً، بل جبناً عن الالتزام، وخوفاً من المستقبل، وسوء ظن بالله في الرزق والتيسير.لذلك تجد كثيرا منهم يستسهلون العلاقات المحرمة، لأنها علاقات منزوعة التكاليف، خالية من الالتزام، بل هي في حقيقتها = علاقات جبانة؛ تهرب من المسؤولية، وتتغذى على اللذة السريعة، والضحية غالباً فيها الأنثى.- الإنجاب كذلك؛ لأنه رهان على وعد الله، وتصديق لقوله (نحن نرزقكم وإياهم)، وليس على حسابات القلق والهلع من الغد.- قول كلمة الحق شجاعة؛ لأنها تعني أن تختار رضا الله على رضا الناس، وأن تحتمل العزلة أو الأذى أو سوء الفهم.- الإنفاق شجاعة؛ لأن النفس ترى المال أماناً، ولا ترى أن الأمان الحقيقي فيما عند الله.ولهذا لم تكن الشجاعة في الشرع مجرد خُلق زائد، بل هي ثمرة يقين، ومظهر من مظاهر الإيمان الحي ووجه آخر للتوكل.فوقود الشجاعة الأول هو التوكل:التوكل الحقيقي لا يعني ترك الأسباب، بل يعني أن تبذل السبب وقلبك معلق بالله وليس بالسبب، وأن تقدم وأنت تعلم أن الأقدار كلها بيده سبحانه، وأن الخسارة الحقيقية ليست في الفوات الدنيوي، بل في مخالفة أمره.(وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)،إن كنتم مؤمنين!!تخيّل!!التوكل علامة الإيمانفحاول أن تمارسه حتى وإن كنت خائف .. على الأقل لتثبت لنفسك أنك من أهل الإيمانأوعلى الأقل لتقول لله أنك تحاول أن تكون من أهل الإيمانقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا)، فربط بين السعي والشجاعة في الخروج، وبين امتلاء القلب باليقين.ومن هنا نفهم أن الجبن في هذا الزمان في غالبه ليس غالبا جبناً جسديا، بل جبن عقدي:ضعف في الإيمان بالقدر، وسوء ظن بالله، وتضخيم للأسباب، وتقديم للسلامة العاجلة على النجاة الآجلة.والشجاعة ليست اندفاعاً أعمى، ولا تهورا، بل هي قوة القلب عند لقاء التكليف، وثبات النفس حين تتعارض الأوامر مع الأهواء.فمتى قوي التوكل، وصدق اليقين، صغرت المخاوف، وسهلت التضحيات، وأصبح السير إلى الله ممكنا، ليس لأن الطريق خال من المشقة، بل لأن القلب امتلأ بما هو أعظم من الخوف:امتلأ بالله.لذلك أقول دائماًبل أحياناً يلومني البعض:كل مشكلة عندك حلها بالتعلق بالله!بل هو سبحانه حل لكل الأمورأن تصل لمرحلة تمتلئ فيها نفسك بعبودية اليقين، فتواجه الحياة بقلب يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الله لا يضيع من توكل عليه.وقود الإقدام: كيف يصنع التوكل رجالاً لا يهابون الغد؟
مدار الساعة ـ











