مدار الساعة -من القواعد الكبرى التي يُتعجَّب من غيابها، مع بداهتها = أن الحق ليس ما نراه نحن حقاً، بل ما يراه الله حقاً.
فالميزان ليس الشعور، ولا القناعة الشخصية، ولا الذوق العام، وإنما الوحي المنزل الذي به يُعرف الحق وتُوزن به الأقوال والمواقف، وترتب على أساسه الأولويات.والحق في ميزان الشريعة لا يتجزأ؛ فلا يكون الإنسان ملتزماً به في القضايا الكبرى، متساهلا فيه في الصغائر.والشريعة لم تنزل لتنظم الشعائر وحدها، بل لتوجّه حياة الإنسان كلها، في ظاهرها وباطنها، في دقائقها قبل كبائرها.ولهذا فإن مقولة (المسألة ما بتستاهل كل هذا التعقيد) ليست إلا ستارا للتفلت من حكم الله، وليس تقييماً حقيقياً للأمور، فترتيب الأولويات وتحديد الأهم والمهم وظيفة الوحي وليست وظيفة أهواء النفوس.رغم وضوح هذه القاعدة، إلا أنها غائبة عن أذهان كثير من الناس (وهذا عائد لعدة أسباب قد أفردها في منشور منفصل)؛ إذ يتوهم المرء أنه سيحاسب على ما يراه صواباً، وليس على ما أنزله الله حقاً، والحقيقة أن الحساب إنما يكون على الحق المبيَّن في الشريعة، وليس على القناعات الشخصية ولا على النيات المجردة عن الاتباع.وهذا المعنى لا يختص بالقضايا الكبرى وحدها، بل يشمل أدق تفاصيل الحياة؛ لأن الله لم يترك شيئا من شؤون العباد إلا وبيّن فيه هدى أو أصلا يرجع إليه، أو على الأقل بين فيه ميزان التقييم، فإذا اصطدمت مسألة ما بما استقر في قلبك، وظهر لك الدليل يخالف ما تعتقده، فإن الرجوع إلى الحق ليس خسارة لك، بل هو عين النجاة، فالمعيار يوم الحساب ليس ما ألفته النفوس، بل ما قامت به الحجة.ومن هنا، فإن الرجوع عن الرأي بعد ظهور الدليل المخالف ليس مجرد خلق محمود، بل هو عبودية صادقة، وعلامة على تعظيم الله.ولهذا كان الكبر من أعظم الذنوب؛ لأن في ذلك تقديم تعظيم النفس على تعظيم الله.أخطر ما يصيب القلوب أن تتحول من طلب الحق إلى الدفاع عن الذات، ومن تعظيم الدليل إلى تعظيم الرأي.وحينها لا يكون الخلاف مع الآخرين، بل مع ميزان الله نفسه، ومن سلِم من هذا، وأخضع قلبه للحق حيث كان، فقد فاز بأعظم مكسب: السلامة بين يدي الله يوم لا ينفع إلا الحق.وقد يتغبش الحق أحياناً بسبب تقصير أهل العلم في بيانه أو ضعف حضوره في الواقع، لكن ذلك لا يعفينا من مسؤولية البحث عنه وطلبه،فالحق لا يسقط بتقصير من حمله، ولا يزول بغياب من يبلغه.ومن رحمة الله وعدله أنه لا يخذل من صدق في طلب الحق، بل يهديه إليه بقدر إخلاصه وتجرده.سيادة الوحي.. الحق ليس ما تراه بل ما أنزله الله تعالى لنا وعلينا
مدار الساعة ـ











