مدار الساعة -بعد أسوأ أزمة سفر تشهدها الهند منذ سنوات، والتي تسببت في تقطع السبل بعشرات الآلاف من المسافرين هذا الشهر، وقف وزير الطيران المدني، رام موهان نايدو كينجارابو، في البرلمان ليُعلن ضرورة كسر احتكار الشركتين المهيمنتين لقطاع الطيران في البلاد.
وقال، بعد عطل تشغيلي كبير شهدته شركة إنديغو الناقلة المهيمنة في الهند: «نحن بحاجة إلى خمس شركات طيران كبرى. أريد المزيد من الشركات العاملة في هذا القطاع. هذا هو الوقت المناسب لإطلاق شركة طيران في الهند».وجاءت دعوة الوزير بعد عام مضطرب للغاية لقطاع الطيران الهندي، حيث كشفت فوضى إنديغو وتحطم طائرة تابعة لشركة طيران الهند عن مواطن ضعف في ثالث أكبر سوق للنقل الجوي في العالم، في ظل ارتفاع أعداد المسافرين وتراكم طلبات شراء الطائرات.وقال أديسون شونلاند، المؤسس المشارك لشركة الاستشارات في مجال الطيران «إير إنسايت جروب»: «كانت الهند بمثابة درس لأي سوق يعاني من التركز المفرط»؛ ففي الولايات المتحدة والصين، توجد عدة شركات طيران بحجم مماثل قادرة على التدخل لتخفيف حدة الأزمات. أما الهند، فلا تملك ذلك.تسيطر شركة إنديغو على 64.5% من سوق الرحلات الداخلية، بينما تستحوذ طيران الهند على نسبة 26.7%. وقد حالت عوائق مثل ارتفاع ضريبة المبيعات على الوقود دون دخول منافسين جدد إلى السوق، ما ترك المسافرين أمام خيارات محدودة.ولسنوات، حافظت «إنديغو» على سمعتها في الكفاءة العالية والأداء الموثوق به، إلا أنها تلقت ضربة قوية بعد فشلها في الاستعداد لقواعد إرهاق الطيارين الجديدة، ما أدى إلى إلغاء أكثر من 2000 رحلة جوية في ذروة موسم السفر الأكثر ازدحاماً في الهند.واعترفت «إنديغو» بإخفاقها في الاستعداد الكافي لهذه القواعد، التي تم الإعلان عنها قبل عامين تقريباً ودخلت حيز التنفيذ الشهر الماضي. وقد واجهت الشركة الكثير من الغضب الشديد ليس فقط من العملاء ونيودلهي، بل أيضاً من نقابات الطيارين الذين اتهموها باستغلال هذه الأزمة لإجبار الحكومة على التراجع عن قرارها وتعليق العمل باللوائح. وجاء هذا الحادث في وقتٍ كانت فيه ثقة الجمهور بالسفر الجوي متدنيةً بالفعل. ففي يونيو، تحطمت طائرة تابعة لشركة طيران الهند متجهة إلى لندن بعد وقت قصير من إقلاعها في مدينة أحمد آباد غربي البلاد، ما أسفر عن مقتل 260 شخصاً.ولا يزال التقرير النهائي للمحققين الهنود حول ملابسات حادث تحطم طائرة بوينغ دريملاينر معلقاً. إلا أن تقريراً أولياً أثار جدلاً واسعاً بعد أن أدت نتائجه الغامضة إلى تبادل الاتهامات، حيث أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى انتحار الطيار كسبب محتمل، وهو استنتاج عارضته النقابات بشدة.وعلى الرغم من كل التطمينات، فإن أحداث العام الماضي تعني أن «الناس فقدوا ثقتهم بشركات الطيران الهندية»، بحسب أحد المسؤولين التنفيذيين في القطاع. ويتزايد عدد المسافرين جواً في الهند، الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم. وقد توقع الاتحاد الدولي للنقل الجوي أن يصل العدد السنوي للمسافرين جواً من وإلى الهند وداخلها إلى 425 مليون مسافر بحلول عام 2044، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف الرقم المسجل العام الماضي.ويشكك المحللون في دخول شركات طيران جديدة إلى السوق الهندية المزدحمة قريباً. ومنذ عام 2004، أفلست أكثر من 15 شركة طيران، وفقاً للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا). وتشير تقديرات مجموعة «كابا إنديا» الاستشارية والبحثية في مجال الطيران إلى أن شركات الطيران في البلاد تكبدت خسائر بلغت 22 مليار دولار خلال تلك الفترة، ولم تحقق سوى شركة إنديغو أرباحاً.يقول كابيل كاول، الرئيس التنفيذي لشركة «كابا إنديا»: إذا أراد أي شخص الآن تأسيس شركة طيران منخفضة التكلفة في الهند، فإنه يحتاج إلى مليار دولار كحد أدنى خلال السنوات الخمس الأولى. ولا يوجد أي مستثمر مهتم، فتكلفة تشغيل شركة طيران في الهند لا تُغطى بشكل كافٍ من عائدات التذاكر.واعتاد العديد من الهنود على تذاكر الطيران منخفضة التكلفة، التي تُعدّ أرخص بنسبة 21% على الرحلات الداخلية منذ عام 2011، وفقاً للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا). في الوقت نفسه، تضاعف عدد الطائرات العاملة في الهند خلال العقد الماضي ليصل إلى أكثر من 800 طائرة، كما تضاعف عدد المسافرين أيضاً.يُعدّ وقود الطائرات أحد أبرز العوامل المُعيقة، إذ يُمثّل ما يصل إلى نصف نفقات التشغيل لشركات الطيران الهندية، وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ حوالي 28%، وفقاً لإياتا. وأوضح كابيل كاول أن العديد من الولايات الهندية الكبرى فرضت ضريبة مبيعات على الوقود تتراوح بين 20 و28%.وتفاقمت الضغوط بسبب ضعف الروبية، التي تُعدّ أسوأ العملات أداءً في آسيا هذا العام. وأشار كاول إلى أن حوالي 70% من تكاليف شركات الطيران مُقوّمة بالعملات الصعبة. ومع وجود هذه العوائق الكبيرة أمام دخول السوق، يعتقد الخبراء بأن هيكل قطاع النقل الجوي في الهند سيظل يعاني على الأرجح من التركز العالي.وقال مايور باتيل، مستشار الطيران في أو أيه جي، وهي شركة متخصصة في بيانات قطاع الطيران: إذا لم يتم تخفيف بعض هذه القيود، سواء كانت ضرائب أو رسوم وقود أو غيرها، فسيكون من الصعب للغاية على شركات الطيران تحقيق الربح.خسائر بـ 22 مليار دولار: أسوأ أزمة سفر في تشهدها الهند منذ سنوات
مدار الساعة ـ











