أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

التل يكتب: الصمود ليس شعارا.. قراءة في تحليل أبي زيد لديناميات الحرب والاحتلال


د. مصطفى التل

التل يكتب: الصمود ليس شعارا.. قراءة في تحليل أبي زيد لديناميات الحرب والاحتلال

مدار الساعة ـ

شهدت حلقة برنامج "نبض البلد" على قناة رؤيا حوارًا تحليليًا حادًا، كشف عن موقفين: الأول بنظر إلى الصراع من منظار قوة الصمود والإستراتيجية، ممثلة بالخبير الاستراتيجي نضال أبي زيد.

الثاني ينظر إليه من منظار الهزيمة والاتهام الداخلي، ممثلة بالخبير القانوني طارق أبي الراغب.

أبو الراغب يقدم سردية تشبه المحاكمة الداخلية، بينما يقدم أبو زيد قراءة استخباراتية استراتيجية تُعيد التوازن إلى التقييم، وتؤكد أن معادلة الصراع لم تنقلب لصالح الاحتلال، بل إنّ هذا الأخير هو من يدفع ثمنا غاليًا لعدوانه, ولا بد من وقفات :

الأولى : خرافة الراية البيضاء وكسر شوكة الجيش الإحترافي

أكد أبو زيد حقيقة جوهرية مفادها أن المشهد في رفح لم يشهد رفع الراية البيضاء، وأن الهدف الإسرائيلي المتمثل في كسر إرادة المقاومة لم يتحقق.

هذا التقييم لا يقوم على الإنطباعات بل على معطيات ميدانية وأخرى يعترف بها العدو نفسه , التقارير العبرية اتي تتحدث عن تآكل في جيش الاحتلال ونقص كبير في الضباط، ليست مجرد أرقام بل هي مؤشرات كمية على الخسائر المعنوية والبشرية التي مني بها جيش يدّعي أنه لا يُقهر.

أبو زيد أشار الى أن المقاومة تعيد إنتاج نفسها أمنيًا وعسكريًا عبر عملياتها في خان يونس، فهو يقدم دليلا عمليا على الاستمرارية والقدرة التكيفية، وهو ما ينفي مقولة "الاستسلام" أو "الرضوخ المذل" التي يتحدث عنها الطرف الآخر.

الثانية : المقاومة مشروع وطني جامع وليس "مغامرة ميليشياوية"

سقط أبو الراغب في خطأ تصنيفي خطير عندما وصف حماس بـالميليشيا، وركز اتهاماته عليها وحدها.

هذا التصنيف يتجاهل بشكل ملحوظ الحقيقة التي أشار إليها أبو زيد بوضوح: "من يقاتل في غزة ليس حماس وحدها بل المقاومة الفلسطينية بكامل حركاتها الوطنية".

تحويل الصراع ضد الاحتلال إلى محاسبة حزبية ضيقة يُضعف الجبهة الداخلية، ويُشكل استجابة غير مقصودة للرواية الإسرائيلية التي تسعى دائمًا إلى تصوير القضية على أنها صراع داخلي فلسطيني، وليس كصراع وجود مع مشروع استعماري استيطاني.

اتهام المقاومة بـالانتصار على الدم الفلسطيني هو قلب للمسؤولية الأخلاقية والتاريخية، حيث يُحمّل الضحية تبعات جرائم المحتل، الذي يشن حربًا شاملة على البشر والحجر.

الثالثة : المعيار الحقيقي: التأثير الاستراتيجي على العدو وليس الخطاب الداخلي

يوجه أبو الراغب سهام نقده إلى الممارسات الداخلية لحماس بشكل انتقائي، لكن التحليل الاستراتيجي الحقيقي كما قدمه أبو زيد يفرض تغيير بوصلة النقد نحو تأثير المقاومة على العدو.

وهنا تبرز نقاط القوة: لقد أجبرت المقاومة الكيان المحتل على الدخول في حرب استنزاف طويلة، وكشفت هشاشة منظومته الأمنية المُبالغ في تقديرها، وأربكت قيادته السياسية، كما يتضح من حديث أبي زيد عن "رعب نتنياهو من الموازنة" وطلبه العفو من المحكمة ومغازلته للمعارضة , هذه كلها مؤشرات على أزمة عميقة في الطرف الإسرائيلي، التي هي نتاج مباشر لصمود المقاومة وثمن لمحاولة كسرها.

الرابعة : تفنيد الاتهامات: بين الرواية الإعلامية والحقائق الميدانية

يتكرر في خطاب أبي الراغب اتهام المقاومة بـالسماح بقتل أبناء غزة والاهتمام بجثث الاحتلال وإهمال مقاتليها.

هذه اتهامات خطيرة تفتقر إلى السياق, فالمسؤول الأول والأخير عن قتل المدنيين وتدمير القطاع هو العدوان الإسرائيلي المُمنهج، الذي يستخدم القوة العسكرية المفرطة بغطاء سياسي دولي.

وأي حديث عن إهمال المقاتلين لا يأخذ في الاعتبار الظروف القاسية وغير المسبوقة التي يخوضون فيها معركتهم تحت الحصار والقصف.

كما أن التركيز على جثث الاحتلال يأتي ضمن حسابات تبادلية وإنسانية وسياسية معقدة، وليس كما يُصوَّر بشكل مبسط.

الخامسة : نحو قراءة متوازنة تكرّم الصمود وتوجه النقد بمسؤولية

تقدم رؤية أبي زيد قراءة ضرورية ومتوازنة ترفض الاستسلام لرواية الهزيمة، وتُقدّر الثمن الباهظ الذي يدفعه شعب غزة دون أن تُلقي باللوم على من يدافعون عنه , إنها رؤية تضع المسؤولية الرئيسية حيث يجب أن تكون: على عاتق الاحتلال ومشروعه الاستعماري.

هذا لا يعني تبرئة أي طرف فلسطيني من النقد أو المساءلة، لكن هذه المساءلة لكي تكون بنّاءة يجب أن تتم في إطار الحفاظ على الوحدة الوطنية، وعدم تقديم التنازلات المجانية للرواية الإسرائيلية، والاعتراف بالحقيقة الاستراتيجية الأهم: أن غزة، رغم كل الدمار، لم تُهزم، وأن مقاتليها كسروا هيبة جيش الاحتلال وفرضوا معادلة جديدة، سيكون لها بالغ الأثر على مستقبل الصراع كله .

الصمود في النهاية ليس شعارًا إعلاميًا بل هو حقيقة تكتبها الدماء والتضحيات على أرض غزة.

مدار الساعة ـ