أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

بلادٌ وأحلام

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

من أبسط حقوق الإنسان أن يحلم بعيش كريم في وطن يقدِر أن يحقق فيه ذاتَه وطموحاتِه، في ظل النظام والقانون. وتنقسم الدول بالنسبة للأحلام إلى أقسام، فمنها دول تستطيع أن تحلم بما تشاء، وأن تحقق حلمك إذا اجتهدت في سبيله، حتى سميّيت هذه الدول ببلاد الأحلام؛ لأنك تتمكن فيها من تحقيق أحلامك.

لكن ما هو أكثر صعوبة أن يصبح الحلم في بعض البلدان جريمة يعاقب عليها القانون في بلاد لا تعرف إلا عزف القانون فقط. لقد عشت مدة في أحد هذه البلاد العجيبة الغريبة، وقد يصعب على كثير من القراء تصوّر الحياة فيه، أو تصور وجود مثل هذه الدولة في زماننا. وقد مررت بتجربة أليمة أثناء إقامتي فيها لأنها تحاسب على الأحلام والمنام، فقد رأيت في منامي أنني أعترض على قرارٍ لرأس النظام- والله العظيم في المنام- ودون قصد مسبق أو وجود نية سيئة، لكن هذا المنام من الشيطان الرجيم، فاستيقظت مرعوبًا، وتفلت عن يساري ثلاثا، واستعذت بالله من شر الشيطان الخبيث الذي يريد أن يوقعني في المهالك. ولم أقصّ المنام الشيطاني اللعين على أحد، وظللت فزِعًا نحو أسبوع من منام لا حول لي فيه ولا قوة، ولكن خشيت أن تتسرّبَ من مُخيّلتي رائحةُ هذا المنام إلى أنوف الأجهزة البوليسية، فأقع فيما لا تحمد عقباه.

إن العيش في مكان لا تستطيع أن تحلم فيه، من مصائب الدهر، حيث تشعر أنك تعيش في صحراء اليأس دون أمل في النجاة، ودون قدرة على الاستمتاع في الحياة، فتكون كالميت في ثوب حيّ، أو حيٍّ يلبَسُ الأكفان؛ لأنك تعيش في ظل عبودية فكرية وثقافية وسياسية لا أمل لك في العتق منها.

ومن خلال الحرب على الأحلام، وهيئات مكافحة المنامات، يسود كل قليل الأصل، فاسد الذمة، وعديم الضمير، فينهب خيرات البلاد، ويقع الشباب في حالةٍ من الموت السريريّ، فلا هو يعيش حياته، ولا هو يموت، وتتحول البلاد إلى غرفة (إن عاش).

إن إبعاد المواطن عن المشاركة السياسية الفعلية في بلاده -بحيث يكون مؤثرًا في الأحداث- يورثه الإحساس بالعجز والضعف، ولا يجد سبيلا غير الكلام ليعبّر عن نفسه ووجوده. وربما اعتزل حتى الكلام، وكأن الذي يحصل لا يهمه، وهذا قمة الشعور باللامبالاة.

بما ذُكِر يفسر موقف الأكثرية الصامتة في تلك البلاد، حيث لا يرون داعيا لأي مشاركة في إدارتها، لأن الأحلام يتم وَأْدُها من قبل الدولة العميقة في مهدها، وتذهب كل الأحلام أدراج الرياح.

دعونا نحلم بالله عليكم، فمن حق المواطن أن يحلمَ، وأن يحقق أحلامَه، وأن يكون له وجودٌ وحضور على خريطة الوطن، وألا يكونَ ظلا في أرض غابت فيها شمس الأحلام.

الدستور

مدار الساعة ـ