أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات جامعات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

التلقين مدمّر الأجيال

مدار الساعة,مقالات مختارة,وسائل التواصل الاجتماعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

عملية التلقين منهج يمارس في البيوت والمجالس والمدارس، وإنْ حاول البعض أن ينفي جود هذه الطريقة في التعليم إلا أنها هي المنهج السائد في مدارسنا، حتى وصل التلقين إلى الجامعات، التي هي مساحات حرة للتفكير، ومنارات للإبداع، ولا أبالغ إن قلت: قد وصل التلقين إلى الدراسات العليا، ولا ينبئك مثل خبير. وبمثل هذه الطريقة العقيمة من التدريس نقتل الإبداع والتجديد وحرية الفكر والنظر، وتصبح هذه الطريقة سلوكًا للإنسان بحيث يعتاد على أن يكون جزءًا من القطيع يمشي حيث يمشون، ويقف حيث يقفون، وربما عبّر الشاعر قديمًا عن هذه الحال بقوله:

وما أنا إلامن غزيّة إن غوت...غويتُ وإن ترشد غزية أرشد

وبهذا يتعصب الإنسان لما لقِّن ووجد نفسه عليه، فينتحر الإبداع وينتقل إلى رحمة الله تعالى. ولا يلبث الطالب (البصّيم) أن ينسى ما حفظه بمجرد خروجه من قاعة الامتحان، ولا يستفيد منه في دينه أو دنياه، فالحفظ لأجل الامتحان، وقد تمّ المقصود بنجاح، فهو علم يحفظ ولا ينتفع به.

من خلال هذه الطريقة فقدنا قدرتنا على التفكير النقدي، فنشأت أجيال لا تفكر بل تقبل كل ما تسمع، وهذه مشكلتنا مع وسائل التواصل الاجتماعي، فما عليك إلا أن تصدر إشاعة ما في إحدى وسائل التواصل، واترك الباقي على الناس، حيث ستنتشر بفضلهم هذه الإشاعة انتشار النار في الهشيم، دون أن تجد من يفكر في محتواها أو معناها ومدى انطباقها على الواقع.

وهذه الطريقة هي من أوجدت جيلا قبل ذلك يصدّق كل ما يسمع في التلفزيون أو الإذاعة أو الجرائد، أو حتى من جدّته، وظل كذلك حينا من الدهر حتى استطاع أن يميّز بين ما هو كلام استهلاكي لا معنى له سوى الاستعراض، وبين الحقيقة التي صار يسمعها من إذاعات وتلفزيونات أجنبية، ولا أدلّ على ذلك من قول غوّار في ضيعة تشرين: (حط الموجة على إذاعة لندن..خلينا نشوف شو في عنّا).

معنى التلقين أن تستسلم لما قُدّم إليك ووُضِع بين يديك، استسلام الميّت للمغسِّل يقلبه كيف يشاء، فلا يحقّ لك التفكير أو النظر، ويمنع عليك أن تُغيّر أو تُبدّل، فهذا هو العلم، وما وراءه جهل وظلام.

وهذا يفسر عدم قدرتنا على التفكير أو أخذ القرار المناسب فيما يَعرِض لنا، وصرنا نتّكل على غيرنا ليفكّرعنا ونستشيره في كل صغيرة وكبيرة؛ لعدم وجود الثقة في النفس، وهذا على مستوى الأفراد والحكومات.

وكخطوة لإثبات الذات المفقودة، والبعيدة عن روح النقد والإبداع، تجد أحدنا يتكلم طول الوقت، ويسمّع ما (بصمه) ليقال عنه: إنه عالم ومتكلم، وهو لا يعي ولا يفهم نصف أو أغلب ما يتحدث به. ولهذا صارت الثرثرة سمة غالبة علينا، حيث تجد كل من حولك يتكلم لكن لا أحد يسمع أحدا. الكل يتكلم في كل شي وأي شيء، ولا أحد يسمع، ولا أحد يفهم، فالكلام هو الغاية والوسيلة، ووجوده كالعدم لا فائدة منه، لذلك كم هي المجالس- التي كانت سابقا مدارس- لا فائدة فيها ولا منفعة، إنما هو كلام يحاول صاحبه أن يستعرض بطولاته المزيفة الموهومة كالأخ العزيز دون كيشوت الذي صارع طواحين الهواء. والمشلكة أن أحدهم يستشهدك على واقعة لم تحضرْها ولم تشهدْها، فتقع بين نارين: إما أن تصمت تأكيدا على كذبته وروايته الخرافية، أو أن تقول له: لم أكن هناك، فيعتبرُ ذلك تشكيكا منك بروايته وكلامه، فيقاطعك أبد الدهر، وإنْ التزمتَ هذا الطريق، لن تجد لك صاحبا.

الدستور

مدار الساعة ـ