تتعالى أصوات الإنسانية عبر العالم في كل مرة يحدث فيها انتهاك لحقوق الإنسان، لكن ما يجري في قطاع غزة والذي يشهد تصاعدًا متسارعًا في العنف ضد المدنيين، يثير تساؤلات جوهرية حول مصير القيم الإنسانية والمواثيق الدولية التي وضعت لحماية الأطفال والنساء، فمشاهد الدماء والمعاناة التي تُصوّر وتُنقل عبر شاشات التلفاز وفي وسائل الإعلام، تُظهر مأساة إنسانية عميقة، حيث تتعرض أرواح الأبرياء إلى تهديد مستمر جراء القصف العنيف والتدمير الهائل، مما يضعنا أمام حقيقة مؤلمة: سقوط المثل والقيم الإنسانية، وانتهاك سافر للمواثيق الدولية التي كانت من المفترض أن تحمي هؤلاء الضحايا.
الأطفال ينتهك حقهم في غزة وهم من بين أكثر ضحايا الحروب تضررًا. لقد أصبح هؤلاء الصغار مجرد أرقام في صراع قاسٍ لا يعرف رحمة ولا يكاد يمر يوم دون أن تُسجل حالات قتل وجرح لأطفال، وتحطيم لمستقبلهم وأحلامهم.
إن غياب الأمان والعيش في بيئة مليئة بالعنف لا يُفقد الأطفال فقط براءتهم، بل يتركهم في حالة من الاضطراب النفسي الدائم وهذا يتناقض بشكل صارخ مع ما نصت عليه اتفاقيات حقوق الطفل، وعلى رأسها "اتفاقية حقوق الطفل" التي تدعو إلى حماية الأطفال في أوقات الحروب والنزاعات المسلحةومع ذلك فإن المعايير الدولية التي وُضعت لضمان هذه الحماية بما في ذلك "اتفاقيات جنيف" التي تضع القوانين لحماية المدنيين، لا تجد سبيلاً للتطبيق في ظل التصعيد المستمر في غزة .
النساء تنتهك حقوقهن في غزة حيث يعانين أيضًا من ويلات الحرب، و يزداد تهميشهن في أوقات الصراعات المسلحة ويُعرّض هذا الواقع المرير النساء إلى القتل، والإصابات الجسدية والنفسية، وفقدان أفراد أسرهن، بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من تبعات اجتماعية وصحية هائلة، لكن ما يزيد من مأساة النساء في غزة هو غياب الحماية القانونية الدولية التي كانت من المفترض أن تضمن لهن الأمن والحقوق الأساسية في أوقات النزاع، فالوثائق الدولية مثل "إعلان القضاء على العنف ضد المرأة" و"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" تدعو إلى حماية النساء في النزاعات المسلحة، لكن الواقع يثبت أن هذه القيم أصبحت حبرًا على ورق.
تتمثل سقوط المواثيق الدولية في استمرار الانتهاكات التي تحدث في غزة وبشكل استثنائي مما يثير تساؤلات حول فاعلية المواثيق الدولية وأدوات الرقابة التي وُضعت من أجل حماية المدنيين في النزاعات.
صحيح أن هناك العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية التي تحاول إيصال صوت المعاناة، لكن غالبًا ما يواجهون تحديات في تطبيق هذه المواثيق، ويظل الوضع على الأرض كما هو، بل ويتفاقم مع مرور الوقت.
ان المنظمات الضابطة والناظمة التي أنشأت لضبط وتنظيم هكذا صراعات مثل الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية طالما دعت إلى حماية المدنيين ولكن الواقع يشير إلى أن هذه الدعوات في العديد من الأحيان تظل بلا جدوى وعاجزة عن القيام بدورها امام الصمت الدولي ومحاباة بعض الدول العظمى للكيان الصهيوني رغم انها تدعي إيمانها بالحرية وحقوق الإنسان في العيش بسلام وكرامة وفي نفس الوقت تدعم الكيان بادوات البطش والاسلحة الفتاكة عندها تصبح المواثيق التي وضعت لحماية الأطفال والنساء مجرد نصوص تفتقر إلى التنفيذ الفعلي على الأرض، ما يؤدي إلى تضاعف الأزمات الإنسانية بشكل متسارع.
ان ما يحدث في غزة هو مؤشر صارخ على سقوط المثل الإنسانية وانتهاك القيم العالمية التي من المفترض أن تضمن حقوق الأفراد في مناطق النزاع كما وان استمرار القتل والعنف ضد الأطفال والنساء في غزة هو انعكاس لعجز المجتمع الدولي عن تطبيق القوانين والمواثيق التي وضعت لحماية هؤلاء الأبرياء.
هذه المعاناة المتواصلة تفتح الباب لضرورة إعادة تقييم وتفعيل المعايير الدولية، واتخاذ إجراءات حاسمة لتوقف هذه الانتهاكات، وتضمن حياة كريمة وآمنة للأجيال القادمة.