بدأت الحكومة أولى الخطوات في الاتجاه الصحيح لتصويب الاختلالات المزمنة في الإدارة العامة، عندما أحالت إلى البرلمان مشروع قانون معدلا لقانون الإدارة العامة، والذي ناقشه مجلس النواب أمس.
التعديلات تشرع الطريق أمام الوزراء والأمناء العامين للوزارات لتفويض صلاحياتهم للمديرين في المحافظات، حسب الأصول القانونية المنصوص عليها، بما يسمح لهم تسريع اتخاذ القرارات التنموية والخدمية وتنفيذ المشاريع بأقل قدر ممكن من الإجراءات البيروقراطية التي تعيق الإنجاز.
تجربة مجالس المحافظات "اللامركزية"، كشفت في سنتها الأولى، ما كان مسكوتا عنه في الإدارة العامة لمؤسسات الحكم المحلي في الأردن من ظلم تنموي واقع على المحافظات الخاضعة تماما لسلطة المركز في عمان من دون أدنى هامش لمجالسها التنفيذية والمنتخبة.
جلسات المجالس المنتخبة ومناقشاتها لموازنات المحافظات للسنة الحالية، أظهرت أن نسب إنجاز المشاريع المخصصة لكل محافظة متدنية جدا، ولا ينفذ منها سوى عدد محدود رغم توفر المخصصات في الموازنة، والسبب بطء الإجراءات الإدارية خاصة المتعلقة بطرح وإحالة العطاءات، وعدم توفر الصلاحيات الكافية لمديري الدوائر في المحافظات. ويفسر هذا الحال الشعور الدائم بالتهميش والظلم لدى عامة المواطنين في الأطراف.
لقد تنبهت الحكومة السابقة لهذه الإشكالية التي أصبحت مصدر التهديد الأول لتجربة اللامركزية، وشرعت في بحث معمق لتعديل التشريعات المتعلقة بها، وأخذت حكومة الرزاز المهمة على محمل الجد.
والخطوات لا تقف عند حد تعديل قانون الإدارة العامة، فبعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدها رئيس الوزراء مع رؤساء المجالس المحلية، تم تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين للبحث في السبل الممكنة لتذليل العقبات أمام عمل المجالس المنتخبة ومنحها الصلاحيات اللازمة للمشاركة الفعلية في صناعة القرار التنموي في المحافظات.
في الأسابيع الأخيرة، نشطت مجالس المحافظات بعقد اجتماعات مبشرة لمناقشة الموازنات التقديرية لمحافظاتهم، وتوزيعها حسب الأولويات على مختلف القطاعات الخدمية والتنموية. واتسمت هذه الاجتماعات بدرجة عالية من الجدية والمسؤولية بما يمهد الطريق لتطوير تجربة اللامركزية.
وفي خطوة غير مسبوقة، دعا رئيس الوزراء، أمس، رؤساء مجالس محلية، للمشاركة في اجتماع مجلس الوزراء لمناقشة موازنات المحافظات في مشروع قانون الموازنة العامة للعام الجديد.
وعلى أجندة الحكومة للدورة النيابية المقبلة تعديلات مقترحة على قانون اللامركزية، بهدف توسيع صلاحياتها، وتعزيز دورها في عملية صناعة القرار، بعد أن بينت تجربة العام المنصرم الحاجة لتعديل القانون كي لا تبقى المجالس المنتخبة مجرد تشكيل هامشي لا يملك القدرة أو الصلاحيات لممارسة دوره المطلوب.
وثمة إجماع في أوساط المسؤولين بضرورة إجراء هذه التعديلات بعد تقويم التجربة ميدانيا، وشكوى المجالس المنتخبة من ضبابية القانون، ما أدى إلى إشكاليات واضحة في العلاقة بين هيئات الحكم المحلي في المحافظات.
ربما تكون مثل هذه الإشكاليات طبيعية في المرحلة الأولى من عمر اللامركزية، والمهم هو استخلاص الدروس لتصويبها.
وإذا ما قدر لآلية التشاور القائمة حاليا بين الحكومة والمجالس المحلية أن تستمر، فإن انعكاسها على مستوى الخدمات والتنمية في المحافظات سيكون ملموسا في السنة المقبلة.
إن ما يقض مضاجع المنتخبين في المحافظات هو شعور المواطنين من حولهم بعدم جدوى دورهم بالنظر إلى الإنجازات المتواضعة في مجالات تحسين مستوى حياة الناس، ومصلحة الحكومة والدولة عموما هي تغيير هذه الانطباعات بإنجازات ملموسة على الأرض، فكل ما يريدونه حقا هو إنفاق ما يخصص لمحافظاتهم من موازنة الدولة ليس إلا.
الغد