مع مرور الوقت تبدو إدلب على حافة معركة، قد تكون من أكثر المعارك حساسية وأشدها تعقيدا، في محافظة تبلغ مساحتها ستة آلاف كيلو متر مربع، أي نصف مساحة لبنان تقريبا، وتحتوي على خطوط تماس تجمع بين الأطراف السورية المتصارعة، وتضم اثنتي عشرة نقطة تركية لمراقبة وقف إطلاق النار، إلى جانب عشرة نقاط روسية، وسبع نقاط إيرانية، إضافة إلى قربها من تركيا وقاعدتي حميميم وطرطوس الروسيتين.
بعض المصادر السورية تتحدث عن تواجد أكثر من خمسن فصيلا مسلحا على أراضي إدلب، يبلغ عدد عناصرها ما يقرب من مئة ألف مسلح، يندرجون ضمن ثلاثة منظمات كبيرة، مثل هيئة تحرير الشام ( النصرة سابقا )، والجبهة الوطنية للتحرير، المدعومة من قبل تركيا، بقيادة حركة أحرار الشام، إلى جانب بقايا من تنظيم داعش.
المبعوث الأممي إلى سوريا ديمستورا، أعرب عن استعداده للتنسيق والتعاون مع دمشق، لضمان ممر إنساني يسمح بخروج آمن للمدنيين من إدلب، جاء حديث ديمستورا بعد إعلان الخارجية الروسية، بأن الظروف في سوريا تهيأت لتحقيق نقلة نوعية نحو الأفضل، ونحو القضاء الكامل على المسلحين وبدء العملية السياسية.
تطورات سريعة وساخنة غير مسبوقة تشهدها سوريا، على خلفية الهجوم المحتمل على إدلب لتحريرها من العناصر المسلحة، التي تشكل حجر عثرة أمام إعادة الإعمار في سوريا، وإعلانها آمنة على امتداد جغرافيتها، بعد أن حرر الجيش السوري المنطقة الجنوبية، وريف دمشق.
بعض المراقبين وصفوا التحركات الروسية، بأنها جاءت من أجل قطع الطريق أمام الغرب الذي يهدد بهجوم عسكري في حال أقدمت سوريا على أية عملية عسكرية في إدلب، في الوقت الذي تبدو فيه دمشق ماضية على تحرير كافة أراضيها من جميع التنظيمات المسلحة.
واشنطن وعلى لسان جون بولتون مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، تحذر سوريا، من اللجوء للأسلحة الكيميائية في أي هجوم لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب. وفي ذات الوقت تؤكد وزارة الدفاع الروسية بأن هيئة تحرير الشام، قامت بنقل ثمانية حاويات محملة بالكلور، إلى مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب، لافتعال هجوم كيميائي في المحافظة، واتهمت اجهزة المخابرات البريطانية بالتورط بصورة مباشرة في التحضير لهذا الهجوم الذي تقول أنه سيشكل مبررا للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لاستهداف سوريا عسكريا.
معركة إدلب ليست مثل المعارك الأخرى التي شهدتها سوريا، وهذا ما تؤكده معطيات ميدانية أهمها أعداد المدنيين، وتعدد الجماعات المسلحة، التي لجأت إلى المحافظة في سياق الصراع مع الجيش السوري، وفي الوقت الذي تزداد فيه التحذيرات من كارثة تصيب المنطقة وسكانها، تتجه الأنظار إلى ما سينتج عن قمة طهران الثلاثية التي ستعقد في السابع من الشهر الجاري، والتي استبقتها روسيا بالتحذير مما وصفته بالتحضير لهجوم كيميائي مفبرك، وذلك لتبرير هجمات غربية ضد أهداف سورية. سيناريوهات عديدة ومحتملة تبقى برودتها شديدة الحرارة على المدنيين المترقبين لنيران معركة توصف بالفاصلة، ويدرك اطرافها بأنها قد تكون آخر المعارك الكبرى في سوريا.
يعتقد بعض الباحثون الإستراتيجيون في الولايات المتحدة، أن معركة إدلب في حال وقوعها، ستكون طويلة وحاسمة، ولن تلقي الجماعات المسلحة عتادها العسكري، على اعتبار أنه لم يبقى لهم مكان آخر في سوريا بعد تحرير إدلب، ولهذا فإن معركتهم ستكون مصيرية...
نأمل ان تعود إدلب إلى الحضن السوري بأقل الخسائر، وبأسرع وقت ممكن، فقد اتسعت مساحة الظلام على حساب مساحة النور في هذه البقعة من العالم العربي.