تمضي المحكمة الدستورية الأردنية، في مسيرتها في تفعيل دورها المناط بها في صيانة الدستور والحقوق والحريات. وجاء إصدارها لمجلتها العلمية كضرورة نحو تطوير القضاء الدستوري على مختلف المستويات، عبر نشر الثقافة الدستورية، وتعزيز حضور المحكمة العلمي على المستويين الداخلي والخارجي.
إن إصدار العدد الأول من مجلة المحكمة، أتى بوصفه استحقاقاً لإنشاء المحكمة الدستورية، بعد إقرار التعديلات الدستورية الصادرة بتاريخ 2011/10/1، التي تضمنت فصلاً خاصاً بإنشاء المحكمة الدستورية في المواد 58، 59، 60، 61. وعلى إثر ذلك صدر قانون المحكمة الدستورية رقم (15) لسنة 2012 بتاريخ 2012/10/6. وقد حرصت الدولة الأردنية ممثلة في جلالة الملك عبد الله الثاني في دعم المحكمة للقيام بدورها بكل استقلالية وشفافية، وضمان قيامها بواجباتها الدستورية.
ومنذ ذلك التاريخ، وعلى مدى عُمر لم يتجاوز الثلاثة عشرة سنة، ما فتئت المحكمة الدستورية تسير بخطى ثابتة في استكمال هياكلها، مستكملةً تاريخاً طويلاً من القضاء الدستوري في الأردن الذي كان موزعاً قبل إنشاء المحكمة، ما بين المحاكم النظامية والشرعية عبر الرقابة على دستورية القوانين. وتفسير النصوص الدستورية، الذي كان يختص به الديوان الخاص في بداية عهد الدولة الأردنية (الإمارة) في ظل القانون الأساسي لشرق الأردن سنة (1928)، ومن ثم المجلس العالي لتفسير أحكام الدستور في ظل دستور المملكة الأردنية الهاشمية سنة (1952).
إن إصدار مجلة المحكمة الدستورية، وتعليمات النشر الخاصة بها، دليل على أن المحكمة ستنتهج نهجاً علمياً، وذلك بالتعمق في البحوث والدراسات المتعلقة بالقضايا المطروحة على المحكمة الدستورية، والاطّلاع على أحدث ما توصلت إليه الاجتهادات المقارنة في مجال القضاء الدستوري، لما من شأنه تعزيز العدالة الدستورية في الأردن، وتعزيز التواصل مع المهتمين بالشأن الدستوري ونشر الثقافة الدستورية. وكذلك تسليط الضوء على القضاء الدستوري. وستكون المجلة جسر تواصل مع المحاكم والمجالس الدستورية العربية والدولية.
وقد أدركت المحكمة الدستورية في الأردن ضرورة الإسهام الفعّال في تطوير القضاء الدستوري، فعمد رئيسها القاضي محمد الغزو، إلى المشاركة الفاعلة في المؤتمرات الدولية والاستفادة من تبادل الخبرات، وكان آخرها مشاركته، في الاجتماع الثاني عشر للجمعية العامة لاتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية، الذي عقد في العاصمة الإماراتية أبوظبي في شباط 2025. حيث أشار القاضي الغزو، إلى أهمية إثراء المكتبة العربية في مجال القانون والقضاء الدستوري، والاهتمام بالأبحاث العلمية والمباديء القضائية، باعتبار ذلك يمثل في مجموعه منظومة الحماية الدستورية.
إن مجلة المحكمة الدستورية، إضافة إلى نشرها للقرارات وطلبات التفسير، والدراسات البحثية والتعليقات على قراراتها، ستُشكل في قابل الأيام ذاكرة المحكمة الدستورية في الأردن، ومرجعاً لأساتذة وطلاب كليات القانون، عبر خلق مناخ فكري يشجع على تبادل الآراء في الفقه والاجتهاد، ورفع شأن العدالة الدستورية في الأردن. وكذلك، مصدراً موثوقاً تعود إليه المحاكم والمجالس الدستورية من خارج الأردن. وهو ما سيعطي الأردن ميزة قانونية مهمة في المجال الدستوري العربي والدولي. حيث يُنظر العالم اليوم إلى أن القضاء الدستوري هو المؤشر لدولة القانون وفصل السلطات وحماية الحقوق والحريات العامة.
نُبارك، للمحكمة الدستورية الأردنية، إصدارها الأول من مجلتها، ونأمل أن تكون إضافة في القضاء الدستوري الأردني والعربي.