كتب: رامي المعادات
يتعاقب الليل والنهار وتمر الأيام وتنقضي وتنهض أمم وتزول أخرى وتبقى الحياة مدرسة تتنوع فيها الاختبارات وصولا إلى الامتحان الحاسم النهائي، ولا يدري أحد موعده ووقته.
ويبقى هنالك أشخاص يعبرون في دنيا البشر يأبون أن يكون مرورهم عادياً فما بناء الحضارة إلا تراكم بصمات هؤلاء الأشخاص وعادة ما يكون هؤلاء جسر عبور الخير وأرواح تمد جذوة المكارم ليوفيهم الله الجزاء الأوفى.
ياسر المصري او خلف بن دعيجة ، ترجل ذلك الفارس مبكرا بلباسه البدوي ، وملامحه العربية والصحراوية الاصيلة ، من خلال موقف مشرف من شخص عهده الجميع اهلا للنبل والانسانية ، تاركا كم ورصيد هائل من الاعمال الفنية التي خلدها الراحل في قلوب محبيه بحنكة فنية غير عادية، تداعب المشاعر وتستنهض الهمم ، فيها من الرجولة والشهامة ما يكفي لإقناع الجميع انهم امام احد اهم الفنانين في تاريخ الاردن.
فارس الدراما البدوية كما لقبه ابناء بلده ، فجر موهبته بتقديم اعمال بدوية خالدة ، ومن خلال الانخراط باعمال فنية مصرية كبيرة ومشاركة نجوم لهم باع فني طويل مثل الممثل المصري القدير يحيى الفخراني والذي يعد من اهم ممثلي الدراما على مستوى الوطن العربي والنجم احمد بدير والراحل خالد صالح وغيرهم الكثير من النجوم ، وان دل ذالك على شيء فإنما يدل على ان الراحل سلط الضوء من خلال فنه واعماله المتقنه على الدراما المحلية لتكون محل اهتمام خارجي لجذب المواهب الفنية الاردنية والاستفادة منها بتقديم اعمال فنية ناجحة على المستوى العربي.
لماذا عشقنا ياسر المصري .. لانه يذكرنا بما طمسته الايام الصعبة التي نعيشها، يذكرنا بالشجاعة والشهامة في زمن الجبن والغدر ، والكريم في زمن البخل ، والشيخ والاخ والفارس والرجل الحقيقي في زمن شح فيه الرجال وكثر فيه الذكور ، كنا وما زلنا وسنبقى نحب ياسر ، لاننا وجدنا فيه نافذة نتوق من خلالها الى هذه الصفات حتى وان كان الامر تمثيليا ، نتوق الى وجه حقيقي يحمل في طياته ملامحنا نستقبل منه اي عمل بعاطفة الفاقد لشيء ثمين ووجده بعد ان اعتقد انه اندثر مع الايام.
للأسف، الراحل وغيره من النجوم الاردنيين لم يجدوا الفرصة الحقيقة في بلدهم لتقديم اعمال فنية تليق بموهبتهم ، مما اجبرهم الى الذهاب لدول اخرى تقدر الفن والفنان وتمنحه الفرصة تلو الاخرى لتقديم اعمال تخلد في اذهان المتابع العربي ، والامر ليس مقتصرا على نجمنا الراحل، فالنجم منذر رياحنة والنجم اياد نصار والنجم وائل نجم ، ساروا على نفس الخطى لامانهم ان اكرام الفن في باقي الدول من خلال نشره وليس دفنه كما حالنا.
هنا يجب ان نعلم ان المأساة الفنية في الاردن كبيرة، عدم الاهتمام الرسمي بالفنان الاردني ادى الى انحدار المستوى الفني المحلي ، وتدمير الجذور والقامات الفنية القديرة وسد الطريق بوجه النجوم الجدد ، وخير مثال على قمة التهميش بحق الفن الاردني من قبل الجهات المختصة ابتداءا بوزارة الثقافة مرورا بالتلفزيون الرسمي وانتهاءا بالمؤسسات الانتاجة الرسمية ، التغييب الرسمي الكامل عن مراسم دفن الفنان الراحل ياسر المصري كانت صفعة على وجه كل فنان وكل محب وكل مشيع جاء لتوديع فنان اردني شهم حمل بلده بين ضلوعه وطار بها خارجيا ، مثل وطنه خير تمثيل وجعل اسم الاردن يرفرف عاليا في سماء مصر وسورية والعالم اجمع من خلال فنه.
وبعد انتهاء مراسم التعزية بالراحل ، نريد ان نطرح سؤالاً برسم الاجابة للحكومة ، لماذا اخفيتم حب الاردنيين لياسر اما كان حقه عليكم ان يتم معاملته كباقي النجوم في اي دولة اخرى ، لماذا لم يلف جثمان الراحل بعلم بلده الذي كان خير سفير لها في المحافل الخارجية ، لماذا لم تتنبهوا الى هذه الموهبة وتدعموها بالشكل الصحيح ، ياسر المصري الذي ادى شخصية الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر والذي اجمع عدد كبير من النقاد ذوي الخبرة ان الراحل ابدع في تجسيد الشخصية ويعد ثاني ابرز ممثل عربي تقمص هذا الدور بعد النجم المصري الكبير احمد زكي ، وهنا نجد المفارقة المضحكة المبكية ، فلو عدنا للوراء وشاهدنا مراسم دفن الثاني وحجم التقدير من خلال لف جثمانه بعلم مصر وتشيعه من قبل الدولة بجنازة وحفاوة رسمية، لعلمتم اين يكمن الخلل.
لروحك الرحمة فارسنا ابا زيد.