لربما يمكن وصف الأردن بأنه البلد الاستثناء في منطقتنا، أو في مشرقنا العربي الذي تأسس على مبدأ الناس ومنطلقاتهم، وإيمانا بالإنسان والسعي لخيره، وأن دولتنا الأردنية تأسست على آمال قومية نقية في مراميها، وعلى مشروعية حلم كبير ينتمي لمحيطنا.
لقد أرسى الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، مبادئ الأنسنة، والعروبية، واستمسك بمبدأ الدين والقومية، بمنهج يعبر فعلا عن آمال الإنسان العربي، وعلى سجية الأردنيين وخصالهم النبيلة.
اليوم والحاضر مليء بالتحولات نستحضر ما قاله المؤرخ الفلسطيني المعروف عارف العارف والرجل الذي خبر الإدارة بالأردن في عهد الإمارة عن الملك المؤسس الشهيد، وكيف رأى (الأمير آنذاك) الأردن.
يقول العارف في أوراقه عن الآمال التي حملها الأمير، إنه حمل آمالاً جساماً خاصة في الأردن الذي رأى فيه خيلاً وسلاحاً ورجالاً، وأدرك أنه باستطاعته أن يحرر سوريا من الفرنسيين من خلالهم بلمح البصر.
يصف الأمير الاعتزاز بأهل الأردن، في تلك الأيام، قائلاً عن بداياته في عهد الإمارة، وفق العارف، في تلك الأيام استطعت أن أوقف المعتدين الإنكليز عند حدهم وأن أوبخ المستر فيلبي المعتمد البريطاني لأنه تسلم استدعاءً من أحد أهالي مأدبا وناولني إياه فقلت له إنك هنا معتمد بريطاني، ما جئت لبلادنا لتقبل الاستدعاءات والشكاوى».
حديث الذاكرة للعارف يشرح كيف حاول الإنجليز إحكام قبضتهم على البلاد لاحقاً، اغتيال الأحلام العربية والمشاريع الكبيرة، ويوضح المفارقات التي جرت والتي أدت إلى استحكام سيطرة الانتداب على مفاصل الدولة الناشئة.
وجرى الحديث بين العارف وسمو الأمير عام 1928م، بينما حصل الأردن على استقلاله بعد 18 عاماً من هذا الحديث الذي حمل وجوه الشكوى من الانتداب وحالة الوهن العربي التي أحاطت بالأردن وأخرت كثيراً من عناوين استقلاله.
لقد حاول الانتداب إضعاف القيادة وأبعادها عن الشعب، ولكن الأردن بقي قيادةً وشعباً مصراً على نيل استقلاله، الذي تحقق بالرغم من كل المعيقات، لذا فأي حديث يحمل ملامح الوهن هو غير منصف بحق الأردن، ولم يقرأ تاريخه.
ومناسبة الحديث، هي ما نراه يجري في منطقتنا من تحولات ومن تجارب فاشلة ومن هوان،فكلما استطاعت دولة أن تستمسك بزمام أمرها حتى تسلل إليها مرض أثقل كاهل الناس واغتال أحلامها.
ولكن نحن في بلد له مبادئ كريمة منذ تأسس وعلى مدار عقود وحتى اليوم من عهود ملوك بني هاشم.
فالأردنيون كلما كانوا سنداً لقيادتهم كانت الصعاب أسهل.