تشكل عودة الرئيس الامريكي دونالد ترامب للبيت الأبيض بعض المخاطر للأردن واقلها القلق المتزايد من دعمة لضم الضفة الغربية، آخذين بعين الاعتبار أن العلاقات الأردنية–الأميركية متعددة الابعاد والاوجه وتستند إلى ابعاد مؤسسيه للغاية ومن المحتمل أن تبقى قوية، حيث تقدم الولايات المتحدة مساعدة مالية سنوية تبلغ ملياراً و٨٠٠ مليون لغاية العام 2027.
من المعروف أن الرئيس الاميركي ترامب من أكثر الرؤساء قرباً واتساقاً مع المشروع الصهيوني القائم في المنطقة ومن المعروف كذلك أن هذا المشروع هو توسعي، استيطاني احلالي، ويقوم على استخدامات القوة المُفرطة، فبعد الابادة الجماعية في غزة، والتدمير الممنهج للبنى التحتية في القطاع واعادة احتلال القطاع من اجل الاستيطان فيه وفي حده الأدنى منطقة شمال القطاع، فقد تم تدمير القدرات العسكرية لحركة حماس وانهاء سيطرته باستثناء بعض الجيوب العسكرية، وها هو الاحتلال يفرض سيطرته العسكرية على الجنوب اللبناني من خلال اتفاقية برعاية اميركية وابعاد كامل القوات التابعة لحزب الله لشمال نهم الليطالي وبعد سقوط نظام الأسد تم احتلال ١٨٠ كم2، من اراضيه و بروز نظام سياسي مؤقت أعلن عن عدم نيته الدخول في حرب مع اسرائيل، وها هي خريطة الشرق الاوسط تتغير كما تريدها اسرائيل، سيطرة كاملة على فلسطين التاريخية وهيمنة على دول الشرق الأوسط برعاية اميركية.
إن عودة ترامب للبيت الأبيض لا تبشر بالخير للمنطقة او الأردن، فالملاحظة الاساسية انه لم يعير انتباهاً للأردن في حقبته الاولى، فلم يهتم كثيراً بالمملكة لأربع سنوات امتدت من العام ٢٠١٦–٢٠٢٠، وخصوصاً ان لديه الآن فريق سياسي ميّال لاسرائيل ومشاريعها في المنطقة، ومتناغم الى درجة كبيرة مع الأهداف والأطماع لليمين المُتطرف في اسرائيل، مايك هاكابي، عقائدي «تلمودي» من تصريحاته أنه ليس هناك شعب يُدعى فلسطيني ولا أرض تُدعى الضفة الغربية بل يهودا والسامرة التي من المفترض ان تكون أرض إسرائيل، وهو رجل داعم لاسرائيل بشكل غير مسبوق.
إليز ستيفانيك مندوبة الولايات المتحدة للأمم المتحدة، داعمة لاسرائيل وضد مُعاداة السامية، السيناتور مايك والتز مستشار الرئيس للأمن القومي احد العسكريين القُدامى عمل في الجيش الاميركي في الشرق الاوسط بشكل عام خصوصاً افغانستان ممكن ان يكون موازنا للمصالح الاميركية الاستراتيجية ومع دول عربية حليفة لأميركا في المنطقة وخصوصاً انه متزوج من امرأة ذات جذور أردنية.
بكل الأحوال فإن الفريق السياسي والدبلوماسي والعسكري من الشخوص المؤيدين لاسرائيل وامنها وتفوقها، ومؤمنون بالابعاد التوراتية والرؤى الاسرائيلية في التوسع، وهذه الشخوص لا يمكن لها دعم الموقف الأردني القاضي بحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف والحفاظ على المقدسات الإسلامية وايقاء الوصاية الهاشمية حيث ترى الإدارة القادمة أن حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية هو خيار غير واقعي.
أن التوجهات الاميركية القادمة من الرئيس وفريقه الرئاسي تجاه الأردن والمنطقة ستقوم على الآتي:-
أولاً: اعادة انتاج صفقة القرن، الهادفة لاقامة سلام اقتصادي وتطبيع العلاقات مع اسرائيل، بعدما بدأت في المرحلة الاولى من حكم ترامب واستقطبت كل من الامارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والمغرب، والسودان التي مضت في اقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية، وفنية كاملة مع دولة اسرائيل، فالاتفاقيات الابراهيمية هدفت لدمج اسرائيل في المنطقة بشكل كامل كجزة فاعل ومقبول من الدول التي وقعت على تلك الاتفاقات وحقيقة الأمر ان هذه الاتفاقات والصفقة برمتها رفضها الأردن رفضاً قاطعاً.
ثانياً: قيام دونالد ترامب باعطاء الضوء الأخضر لاسرائيل بضم الضفة الغربية، ضم ما يسمى «يهودا والسامرة» هو احتمال عالٍ في ظل هذه الادارة الجديدة، خصوصاً هناك علاقة جيدة تربط ترامب بنتنياهو ووجود الفريق الرئاسي الموالي لاسرائيل.
إن ضم الضفة الغربية وربما الضغط على السكان بالهجرة يشكل تهديداً أمنياً للأردن بصورة مباشرة، وهذا أن حصل يؤكد حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن ويرى الأردن ان هذا التوجه هو حالة اعلان حرب اذ صرح الملك عبدالله الثاني أن هناك ثلاثة خطوط حمراء لا يجوز لأحد تخطيها وهي: لا للتوطين في الأردن، لا للتهجير ولا مس بدور الأردن التاريخي في القدس والوصاية الهاشمية على المقدمات الاسلامية والمسيحية أن التوجه هذا يعاكس توجهات الأردن وثوابت سياسته تجاة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي فبعد أن انهت إسرائيل محور المقاومة، والقضاء على حماس في غزة، وتقليص قدرات حزب الله العسكرية وابعاده عن شمال نهر الليطاني، وسقوط نظام الاسد الذي دام اكثر من 50 عاماً، واحتلال الاجزاء الكبرى من هضبة الجولان وقمم جبل الشيخ والوصول الى منابع نهري الأردن واليرموك واحتلال الأراضي السورية، والشعور بالانتصار، فإن ضم الضفة الغربية هو تحصيل حاصل وكما يقول وزير المالية اليميني المتطرف سموتريش «انه حان الوقت في حقبة ترامب الجديدة لفرض السيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية كاملة، وان العام ٢٠٢٥ هو عام السيادة على الضفة الغربية» وحسب الرؤية اليمينية المتطرفة فإن هناك خياران امام الشعب الفلسطيني اما القبول بالحصول على الجنسية الاسرائيلية والتعامل معهم مثل عرب ١٩٤٨ ومن يرفضون سيتم تهجيرهم الى خارج فلسطين ومن يرفض ذلك سيتم معاملته معاملة الارهابي لانه لا مجال في غرب النهر (نهر الأردن) الا لوطن واحد هو الدولة اليهودية.
إن هذا التوجه يخلق حالة من القلق الكبير للأردن، ويتعارض مع المواقف الأردنية الداعمة لقيام حل الدولتين، ويجعل الأردن في زاوية ضيقة خصوصاً اذا لم يجد الاسناد العربي والأوروبي، وعليه فيكون موقفه ضعيفاً أمام هذا الخيار.
ثالثاً: بدل الضم الكامل للضفة الغربية ستؤيد الإدارة الاميركية ضم مناطق ج–C حسب اتفاقية اوسلو والبالغة مساحتها ٦١% من مساحة الضفة الغربية، ويتم ترحيل الفلسطينيين من تلك المناطق الى منطقتي أ و ب وتجميع الفلسطينيين في المدن الكبرى لحماية المستوطنين وتوسيع الاستيطان في الأراضي المحتلة وزيادة اعداد المستوطنين من ٧٥٠ الف الى مليون مستوطن، وربما تدفع باتجاه حكم ذاتي تحت الحماية الاسرائيلية هذا سيناريو والسيناريو الاخر هو ما يسمى بالتهجير السياسي بدل التهجير الديمغرافي، ويكون للأردن دور أمني، وسياسي في هذه المناطق وباعتقادنا أن هذا احتمال ضعيف لأن الادارة الاميركية الجديدة ستسير في ما يرضي اسرائيل وهي لا تريد دولة فلسطينية مستقلة، وبكل الاحوال فإن هذا ان تم تبنيه اميركيا له تأثيرات سياسية وديمغرافية على الأردن، خصوصاً أن هناك في الضفة الغربية ما يزيد عن ٢٥٠ ألف مواطنة فلسطيني يحملون الرقم الوطني الأردني، وهذا مؤثر ديمغرافياً على الأردن ان تم تهجيرهم بالقوة او باشكال اخرى.
رابعاً: الرئيس الاميركي دونالد ترامب يمتلك علاقات شخصية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وعليه سيسعى ترامب إلى دفع وتحفيز وتنشيط العلاقات الاسرائيلية مع المملكة العربية السعودية من اجل التطبيع والاعتراف بدولة اسرائيل، اخذين بعين الاعتبار أن الموقف المعلن سعودياً انه لا تطبيع مع اسرائيل الا باعلان دولة فلسطينية مستقلة، لكن سيسعى ترابب من الاتفاقيات الابراهيمية لجر المملكة العربية السعودية لهذا المسار خصوصاً بعد انتهاء محور الممانعة وسقوط النظام السوري، فالتغيرات في منطقة الشرق الأوسط ربما ستكون حافزاً للتغيير في الموقف السعودي. أن الادارة الاميركية الجديدة ستنشط في احياء الاتفافات الابراهيمية من اجل ادماج اسرائيل بالمنطقة وستحاول ضم دول عربية جديدة هذا المسار مثل، عُمان، قطر، الكويت، وربما سوريا الجديدة.
خامساً: موقف بعض مستشاري دونالد ترامب تجاه الموقف الأردني المُدافع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، حيث ينصح هؤلاء المستشارون في المرحلة القادمة في التركيز على مصالحة الذاتية والتحديات التي يواجهها وليس على مستقبل الدولة الفلسطينية، وكثرة انتقاد اسرائيل وعدم التحدث بصورة موسعة عن فلسطين اكثر مما يتحدث عن نفسه (الأردن) لأن المنطقة قادمة على تسويات اقليمية واسعة النطاق وعميقة، فالمطلوب من الأردن ان يركز على ذاته وليس الغير.
هذا تحليل لانعكاسات عودة الرئيس ترامب على الأردن واكثرها تأثيراً–ضم الضفة، احياء صفقه القرن، ويتطلب ذالك اردنيا تمتين الجبهة الداخلية، وقاعدة اوسع مع الدول العربية لحماية الأردن من أي مخطط سلبي من هذه التوجهات.